فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْفَرَائِضِ

باب قَدْرِ الطَّرِيقِ إِذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
[ سـ :3127 ... بـ :1613]
حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ عَرْضُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ ( سَبْعَ أَذْرُعٍ ) وَفِي بَعْضِهَا : ( سَبْعَةَ أَذْرُعٍ ) وَهُمَا صَحِيحَانِ ، وَالذِّرَاعُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ ، وَأَمَّا قَدْرُ الطَّرِيقِ فَإِنْ جَعَلَ الرَّجُلُ بَعْضَ أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَ طَرِيقًا مُسَبَّلَةً لِلْمَارِّينَ فَقَدْرُهَا إِلَى خِيرَتِهِ ، وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُرَادَةَ الْحَدِيثِ ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ أَرْضٍ لِقَوْمٍ وَأَرَادُوا إِحْيَاءَهَا ، فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ جُعِلَ سَبْعَ أَذْرُعٍ ، وَهَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ ، أَمَّا إِذَا وَجَدْنَا طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ ، لَكِنْ لَهُ عِمَارَةُ مَا حَوَالَيْهِ مِنَ الْمَوَاتِ ، وَيَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ ، بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَارِّينَ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَمَتَى وَجَدْنَا جَادَّةً مُسْتَطْرَقَةً ، وَمَسْلَكًا مَشْرُوعًا نَافِذًا ، حَكَمْنَا بِاسْتِحْقَاقِ الِاسْتِطْرَاقِ فِيهِ بِظَاهِرِ الْحَالِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مُبْتَدَأُ مَصِيرِهِ شَارِعًا ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ : وَلَا يَحْتَاجُ مَا يَجْعَلُهُ شَارِعًا إِلَى لَفْظٍ فِي مَصِيرِهِ شَارِعًا وَمُسَبَّلًا . هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا فِي الْأَفْنِيَةِ إِذَا أَرَادَ أَهْلُهَا الْبُنْيَانَ ، فَيُجْعَلُ طَرِيقُهُمْ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِدُخُولِ الْأَحْمَالِ وَالْأَثْقَالِ وَمَخْرَجِهَا وَتَلَاقِيهَا . قَالَ الْقَاضِي : هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ ، فَإِذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى قِسْمَتِهَا ، وَإِخْرَاجِ طَرِيقٍ مِنْهَا كَيْفَ شَاءُوا فَلَهُمْ ذَلِكَ ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .



باب الْفَرَائِضِ
[ سـ :3128 ... بـ :1614]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ

كِتَابُ الْفَرَائِضِ

هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ مِنَ الْفَرْضِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ لِأَنَّ سُهْمَانَ الْفُرُوضِ مُقَدَّرَةٌ ، وَيُقَالُ لِلْعَالِمِ بِالْفَرَائِضِ : فَرْضِيٌّ وَفَارِضٌ وَفَرِيضٌ ، كَعَالِمٍ وَعَلِيمٍ ، حَكَاهُ الْمُبَرِّدُ . وَأَمَّا الْإِرْثُ فِي الْمِيرَاثِ ، فَقَالَ الْمُبَرِّدُ : أَصْلُهُ الْعَاقِبَةُ ، وَمَعْنَاهُ : الِانْتِقَالُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى آخَرَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ) بِحَذْفِ لَفْظَةِ : يَرِثُ ، أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَرِثُ الْكَافِرَ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَسْرُوقٍ وَغَيْرِهِمْ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ نَحْوُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ عَنْ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ . وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْإِسْلَامِ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ . وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ ، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْإِسْلَامِ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَضْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِمِيرَاثٍ ، فَكَيْفَ يُتْرَكُ بِهِ نَصُّ حَدِيثِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَعَلَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَمْ يَبْلُغْهَا هَذَا الْحَدِيثُ . وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ ، بَلْ يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ : يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، لَكِنْ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ : مَا كَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : الْجَمِيعُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا تَوْرِيثُ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ كَالْيَهُودِيِّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ وَالْمَجُوسِيِّ مِنْهُمَا ، وَهُمَا مِنْهُ ، فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَآخَرُونَ ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَكِنْ لَا يَرِثُ حَرْبِيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ ، وَلَا ذِمِّيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَحَارِبَيْنِ لَمْ يَتَوَارَثَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .