فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْمُبَايَعَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ ، وَبَيَانِ

باب الْمُبَايَعَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ وَبَيَانِ مَعْنَى لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ
[ سـ :3575 ... بـ :1863]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ حَدَّثَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لِأَهْلِهَا وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ

قَوْلُهُ : ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ : إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لِأَهْلِهَا ، وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ ) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْهِجْرَةَ الْمَمْدُوحَةَ الْفَاضِلَةَ الَّتِي لِأَصْحَابِهَا الْمَزِيَّةُ الظَّاهِرَةُ إِنَّمَا كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ ، وَلَكِنْ أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَسَائِرِ أَفْعَالِ الْخَيْرِ ، وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ ، فَإِنَّ الْخَيْرَ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ ، وَمَعْنَاهُ : أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَفْعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ .




[ سـ :3577 ... بـ :1353]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ رَافِعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ يَعْنِي ابْنَ مُهَلْهِلٍ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ : ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ ؛ فَتْحِ مَكَّةَ : لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ : الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأْوِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ ، فَلَا تُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْهِجْرَةُ . وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ الْهِجْرَةَ الْفَاضِلَةَ الْمُهِمَّةَ الْمَطْلُوبَةَ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا أَهْلُهَا امْتِيَازًا ظَاهِرًا انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ ، وَمَضَتْ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ هَاجَرُوا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَوِيَ وَعَزَّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عِزًّا ظَاهِرًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ) مَعْنَاهُ أَنَّ تَحْصِيلَ الْخَيْرِ بِسَبَبِ الْهِجْرَةِ قَدِ انْقَطَعَ بِفَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ حَصِّلُوهُ بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ . وَفِي هَذَا : الْحَثُّ عَلَى نِيَّةِ الْخَيْرِ مُطْلَقًا ، وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى النِّيَّةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ) مَعْنَاهُ : إِذَا طَلَبَكُمُ الْإِمَامُ لِلْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ فَاخْرُجُوا ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ فَرْضَ عَيْنٍ ، بَلْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا فَعَلَهُ مَنْ تَحْصُلُ بِهِمُ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : الْجِهَادُ الْيَوْمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ كِفَايَةٌ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ تَتْمِيمُ الْكِفَايَةِ ، وَأَمَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ كَانَ أَيْضًا فَرْضَ كِفَايَةٍ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ بِأَنَّهُ كَانَ تَغْزُو السَّرَايَا ، وَفِيهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ .




[ سـ :3579 ... بـ :1865]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا وَحَدَّثَنَاه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ فَهَلْ تَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا قَالَ نَعَمْ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ : ( إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ قَالَ : فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا ) أَمَّا ( يَتِرُ ) فَبِكَسْرِ التَّاءِ مَعْنَاهُ : لَنْ يُنْقِصَكَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكَ شَيْئًا حَيْثُ كُنْتَ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْمُرَادُ بِالْبِحَارِ هُنَا الْقُرَى ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْقُرَى الْبِحَارَ ، وَالْقَرْيَةَ الْبُحَيْرَةَ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْمُرَادُ بِالْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هَذَا الْأَعْرَابِيُّ مُلَازَمَةُ الْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكُ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ ، فَخَافَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَقْوَى لَهَا ، وَلَا يَقُومَ بِحُقُوقِهَا ، وَأَنْ يَنْكُصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلْتَ عَنْهَا لَشَدِيدٌ وَلَكِنِ اعْمَلْ بِالْخَيْرِ فِي وَطَنِكَ ، وَحَيْثُ مَا كُنْتَ فَهُوَ يَنْفَعُكَ ، وَلَا يُنْقِصُكَ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .