فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ رُجُوعِ الْمُهَاجِرِ إِلَى اسْتِيطَانِ وَطَنِهِ

باب تَحْرِيمِ رُجُوعِ الْمُهَاجِرِ إِلَى اسْتِيطَانِ وَطَنِهِ
[ سـ :3574 ... بـ :1862]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ ، تَعَرَّبْتَ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ ) .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ تَرْكِ الْمُهَاجِرِ هِجْرَتَهُ وَرُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ ، وَعَلَى أَنَّ ارْتِدَادَ الْمُهَاجِرِ أَعْرَابِيًّا مِنَ الْكَبَائِرِ ، قَالَ : لِهَذَا أَشَارَ الْحَجَّاجُ ؛ إِلَى أَنْ أَعْلَمَهُ سَلَمَةُ أَنَّ خُرُوجَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ إِنَّمَا هُوَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَلَعَلَّهُ رَجَعَ إِلَى غَيْرِ وَطَنِهِ ، أَوْ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي مُلَازَمَةِ الْمُهَاجِرِ أَرْضَهُ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا وَفَرْضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنُصْرَتِهِ ، أَوْ لِيَكُونَ مَعَهُ ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ، فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ وَأَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَأَذَلَّ الْكُفْرَ وَأَعَزَّ الْمُسْلِمِينَ ، سَقَطَ فَرْضُ الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ) وَقَالَ : ( مَضَتِ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا ) أَيِ : الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ ، لِمُوَاسَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُؤَازَرَتِهِ وَنُصْرَةِ دِينِهِ ، وَضَبْطِ شَرِيعَتِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِمْ ، فَقِيلَ : لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى غَيْرِهِمْ ، بَلْ كَانَتْ نَدْبًا ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرِ الْوُفُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَتْحِ بِالْهِجْرَةِ ، وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ لَمْ يُسْلِمْ كُلُّ أَهْلِ بَلَدِهِ ، لِئَلَّا يَبْقَى فِي طَوْعِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ .