فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ وُجُوبِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَالتَّرْخِيصِ فِي تَرْكِهِ

باب وُجُوبِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّرْخِيصِ فِي تَرْكِهِ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ
[ سـ :2405 ... بـ :1315]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ قَالَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا أَوْ كُلِّهَا ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ ( وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ ) فَجَعَلَ زُهَيْرًا بَدَلَ ابْنِ نُمَيْرٍ ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَالْقَاضِي : وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ عَنِ ابْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمٍ ( قَالَ ) : وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الْجُلُودِيِّ عَنِ ابْنِ سُفْيَانَ عَنْ زُهَيْرٍ ( قَالَا ) ، وَهَذَا وَهَمٌ ، وَالصَّوَابُ ( ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا ) وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ ، هَذَا كَلَامُهُمَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي كِتَابِهِ ( الْأَطْرَافُ ) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرًا .

قَوْلُهُ : ( اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ ) هَذَا يَدُلُّ لِمَسْأَلَتَيْنِ .

إِحْدَاهُمَا : أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا : هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ ؟ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا وَاجِبٌ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ . وَالثَّانِي : سُنَّةٌ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، فَمَنْ أَوْجَبَهُ أَوْجَبَ الدَّمَ فِي تَرْكِهِ ، وَإِنْ قُلْنَا : سُنَّةٌ ، لَمْ يَجِبِ الدَّمُ بِتَرْكِهِ ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ، وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْمَبِيتِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا : الْوَاجِبُ مُعْظَمَ اللَّيْلِ ، وَالثَّانِي : سَاعَةً .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : يَجُوزُ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْ يَتْرُكُوا هَذَا الْمَبِيتَ ، وَيَذْهَبُوا إِلَى مَكَّةَ لِيَسْتَقُوا بِاللَّيْلِ الْمَاءَ مِنْ زَمْزَمَ ، وَيَجْعَلُوهُ فِي الْحِيَاضِ مُسَبَّلًا لِلشَّارِبِينَ وَغَيْرِهِمْ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِآلِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى السِّقَايَةَ كَانَ لَهُ هَذَا ، وَكَذَا لَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ أُخْرَى كَانَ لِلْقَائِمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : تَخْتَصُّ الرُّخْصَةُ بِسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَخْتَصُّ بِآلِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَخْتَصُّ بِبَنِي هَاشِمٍ مِنْ آلِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا الْأَوَّلُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ سِقَايَةَ النَّاسِ حَقٌّ لِآلِ الْعَبَّاسِ كَانَتْ لِلْعَبَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَهِيَ لِآلِ الْعَبَّاسِ أَبَدًا .




[ سـ :2406 ... بـ :1316]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَا لِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا بُخْلٍ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ : ( قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى ، فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ : أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا ) .

هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمَسَائِلِ الَّتِي تَرْجَمْتُ عَلَيْهَا ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَهَذَا النَّبِيذُ مَاءٌ مُحَلًّى بِزَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَطِيبُ طَعْمُهُ ، وَلَا يَكُونُ مُسْكِرًا . فَأَمَّا إِذَا طَالَ زَمَنُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا فَهُوَ حَرَامٌ .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ " مَعْنَاهُ فَعَلْتُمُ الْحَسَنَ الْجَمِيلَ ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ : اسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى أَصْحَابِ السِّقَايَةِ ، وَكُلِّ صَانِعِ جَمِيلٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .