فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

باب إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
[ سـ :2864 ... بـ :1504]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ

فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَعْتَقَتْهَا وَأَنَّهُمْ شَرَطُوا وَلَاءَهَا ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ الْأَحْكَامِ وَالْقَوَاعِدِ ، وَفِيهِ مَوَاضِعُ تَشَعَّبَتْ فِيهَا الْمَذَاهِبُ :

أَحَدُهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَبَاعَهَا الْمَوَالِي وَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَهَا ، فَاحْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ ، وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْعِتْقِ لَا لِلِاسْتِخْدَامِ . وَأَجَابَ مَنْ أَبْطَلَ بَيْعَهُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَفَسَخُوا الْكِتَابَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْمَوْضِعُ الثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اشْتَرِيهَا وَاعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا اشْتَرَتْهَا وَشَرَطَتْ لَهُمُ الْوَلَاءَ وَهَذَا الشَّرْطُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا خَدَعَتِ الْبَائِعِينَ وَشَرَطَتْ لَهُمْ مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ ، وَكَيْفَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي هَذَا ؟ وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَاسْتَدَلَّ بِسُقُوطِ اللَّفْظَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ، وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ : هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَوْلُهُ ( اشْتَرِطِي لَهُمْ ) أَيْ عَلَيْهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : لَهُمُ اللَّعْنَةُ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ، أَيْ فَعَلَيْهَا وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ ، وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِرَاطَ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ هَذَا التَّأْوِيلِ لَمْ يُنْكِرْهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَقِيلَ : مَعْنَى ( اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ ) أَظْهَرِي لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَحِلُّ فَلَمَّا أَلَحُّوا فِي اشْتِرَاطِهِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ قَالَ لِعَائِشَةَ هَذَا بِمَعْنَى لَا تُبَالِي سَوَاءٌ شَرَطْتِهِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ لَفْظَةُ ( اشْتَرِطِي ) هُنَا لِلْإِبَاحَةِ ، وَالْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ : إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ ، وَاحْتَمَلَ هَذَا الْإِذْنَ وَإِبْطَالَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا ، قَالُوا : وَالْحِكْمَةُ فِي إِذْنِهِ ثُمَّ إِبْطَالِهِ ، أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي قَطْعِ عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَزَجْرِ مِثْلِهِ ، كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ ، وَجَعْلِهِ عُمْرَةً بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَقَدْ تُحْتَمَلُ الْمَفْسَدَةُ الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَرِثُ بِهِ ، وَأَمَّا الْعَتِيقُ فَلَا يَرِثُ سَيِّدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ : يَرِثُهُ كَعَكْسِهِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أُسْلِمَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَا لِمُلْتَقِطٍ وَلَا لِمَنْ حَالَفَ إِنْسَانًا عَلَى الْمُنَاصَرَةِ ، وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ ، قَالُوا : وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَارِثٌ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ ، وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَوَلَاؤُهُ لَهُ ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : يَثْبُتُ لِلْمُلْتَقِطِ الْوَلَاءُ عَلَى اللَّقِيطِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْحِلْفِ وَيَتَوَارَثَانِ بِهِ ، دَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً ، أَيْ عَلَى أَلَّا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ يَكُونُ الشَّرْطُ لَاغِيًا ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ ، وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوِ اسْتَوْلَدَهَا وَعُتِقَتْ بِمَوْتِهِ ، فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ ، وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَعَكْسِهِ ، وَإِنْ كَانَا لَا يَتَوَارَثَانِ فِي الْحَالِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ .

الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَرِيرَةَ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا عُتِقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ زَوْجِهَا وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ ، فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَهَا الْخِيَارُ ، وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا ، وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ شُعْبَةُ : ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَ : لَا أَدْرِي ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا ، قَالَ الْحُفَّاظُ : وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا غَلَطٌ وَشَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْمَعْرُوفَ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ . وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلِيلَانِ : أَحَدُهُمَا إِخْبَارُهَا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقَضِيَّةِ ، وَالثَّانِي قَوْلُهَا ( لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا ) . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ اللُّزُومُ وَلَا طَرِيقَ إِلَى فَسْخِهِ إِلَّا بِالشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ فَبَقِيَ الْحُرُّ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا عَارَ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْمُقَامِ تَحْتَ حُرٍّ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَأَثْبَتَ لَهَا الشَّرْعُ الْخِيَارَ فِي الْعَبْدِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ . قَالُوا : وَلِأَنَّ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ تَدُورُ عَلَى عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ، فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا ; وَأَمَّا عَائِشَةُ فَمُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَوَجَبَ تَرْجِيحُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ تَوْكِيدًا فَهُوَ بَاطِلٌ . كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ : الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَقْسَامٌ :

أَحَدُهَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ بِأَنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي أَوْ تَبْقِيَةَ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ إِلَى أَوَانِ الْجِدَادِ أَوِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ .

الثَّانِي شَرْطٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَتَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَاشْتِرَاطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَالْخِيَارِ وَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ جَائِزَانِ وَلَا يُؤَثِّرَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِلَا خِلَافٍ .

الثَّالِثُ اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الْمَبِيعِ أَوِ الْأَمَةِ وَهَذَا جَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَرْغِيبًا فِي الْعِتْقِ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ .

الرَّابِعُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ كَشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةٍ وَشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا آخَرَ أَوْ يُكْرِيَهُ دَارَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ . هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يُبْطِلُهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ شَرْطَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الْمَوْضِعُ السَّادِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّحْمِ الَّذِي تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ بِهِ : هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَتِ الصِّفَةُ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا ، فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ شِرَاؤُهَا مِنَ الْفَقِيرِ وَأَكْلُهَا إِذَا أَهْدَاهَا إِلَيْهِ وَلِلْهَاشِمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ ابْتِدَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ هَذَا فَوَائِدَ وَقَوَاعِدَ كَثِيرَةً ـ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ تَصْنِيفَيْنِ كَبِيرَيْنِ ـ إِحْدَاهَا : ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ .

الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِغَيْرِهِ .

الثَّالِثَةُ : ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَعَكْسِهِ .

الرَّابِعَةُ : جَوَازُ الْكِتَابَةِ .

الْخَامِسَةُ : جَوَازُ فَسْخِ الْكِتَابَةِ إِذَا عَجَّزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ ، وَاحْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ كَمَا سَبَقَ .

السَّادِسَةُ : جَوَازُ كِتَابَةِ الْأَمَةِ كَكِتَابَةِ الْعَبْدِ .

السَّابِعَةُ : جَوَازُ كِتَابَةِ الْمُزَوَّجَةِ .

الثَّامِنَةُ : أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَصِيرُ حُرًّا بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ بَلْ هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَرْجِعُ إِلَى الرِّقِّ أَبَدًا ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إِذَا أَدَّى نِصْفَ الْمَالِ صَارَ حُرًّا وَيَصِيرُ الْبَاقِي دَيْنًا عَلَيْهِ ، قَالَ : وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ مِثْلُ هَذَا إِذَا أَدَّى الثُّلُثَ ، وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ إِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ .

التَّاسِعَةُ : أَنَّ الْكِتَابَةَ تَكُونُ عَلَى نُجُومٍ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ هَذِهِ : إِنَّ بَرِيرَةَ قَالَتْ إِنَّ أَهْلَهَا كَاتَبُوهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ ، كُلَّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ : تَجُوزُ عَلَى نُجُومٍ وَتَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ .

الْعَاشِرَةُ : ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْأَمَةِ إِذَا عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ .

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : تَصْحِيحُ الشُّرُوطِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا أُصُولُ الشَّرْعِ وَإِبْطَالُ مَا سِوَاهَا .

الثَّانِيَةَ عَشْرةَ : جَوَازُ الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي قُرَيْشٍ .

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : جَوَازُ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْفَقِيرِ وَالْمُعْتَقِ .

الرَّابِعَةَ عَشْرةَ : تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهَا : ( وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ) . وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ كَانَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ .

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى قُرَيْشٍ غَيْرَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ; لِأَنَّ عَائِشَةَ قُرَشِيَّةٌ وَقَبِلَتْ ذَلِكَ اللَّحْمَ مِنْ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ وَأَنَّهَا حَلَالٌ لَهَا دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الِاعْتِقَادَ .

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : جَوَازُ سُؤَالِ الرَّجُلِ عَمَّا يَرَاهُ فِي بَيْتِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ فِي قَوْلِهِا : " وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ " لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ عَهِدَهُ وَفَاتَ ، فَلَا يَسْأَلُ : أَيْنَ ذَهَبَ ؟ وَأَمَّا هُنَا فَكَانَتِ الْبُرْمَةُ وَاللَّحْمُ فِيهَا مَوْجُودَيْنِ حَاضِرَيْنِ . فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فِيهَا لِيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ إِحْضَارَهُ لَهُ شُحًّا عَلَيْهِ بِهِ ، بَلْ لِتَوَهُّمِهِمْ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ ، فَأَرَادَ بَيَانَ ذَلِكَ لَهُمْ .

السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : جَوَازُ السَّجْعِ إِذَا لَمْ يُتَكَلَّفْ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَجْعِ الْكُهَّانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ تَكَلُّفٌ .

الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : إِعَانَةُ الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَتِهِ .

التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : جَوَازُ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا بِالشِّرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَتْ رَشِيدَةً .

الْعِشْرُونَ : أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنِ الْمُسَيِّبِ : هُوَ طَلَاقٌ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ، وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ يَرُدُّ الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهَا خُيِّرَتْ فِي بَقَائِهَا مَعَهُ .

الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : جَوَازُ اكْتِسَابِ الْمُكَاتَبِ بِالسُّؤَالِ .

الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : احْتِمَالُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْظَمِهِمَا وَاحْتِمَالِ مَفْسَدَةٍ يَسِيرَةٍ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي تَأْوِيلِ شَرْطِ الْوَلَاءِ لَهُمْ .

الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : جَوَازُ الشَّفَاعَةِ مِنَ الْحَاكِمِ إِلَى الْمَحْكُومِ لَهُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجَوَازُ الشَّفَاعَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا .

الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : لَهَا الْفَسْخُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَبْكِي عَلَى بَرِيرَةَ .

الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : جَوَازُ خِدْمَةِ الْعَتِيقِ لِمُعْتِقِهِ بِرِضَاهُ .

السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ وُقُوعِ بِدْعَةٍ أَوْ أَمْرٍ يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ وَيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَ ذَلِكَ وَيُنْكِرَ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ .

السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : اسْتِعْمَالُ الْأَدَبِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَجَمِيلِ الْمَوْعِظَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يُوَاجِهْ صَاحِبَ الشَّرْطِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ فَضِيحَةٍ وَشَنَاعَةٍ عَلَيْهِ .

الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنَّ الْخُطَبَ تَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ .

التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا بَعْدُ . وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا فِي خُطَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ .

الثَّلَاثُونَ : التَّغْلِيظُ فِي إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَقْبِيحِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


[ سـ :2854 ... بـ :1504]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ لَنَا وَلَاؤُكِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَيَّ فَقَالَتْ يَا عَائِشَةُ إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ وَزَادَ فَقَالَ لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ مِنْهَا ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ قِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الْآيَةُ . قَالَ الْقَاضِي : وَعِنْدِي أَنَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .

قَوْلُهُ : ( قَالُوا : إِنْ شَاءَتْ تَحْتَسِبُ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ ) مَعْنَاهُ إِنْ أَرَادَتِ الثَّوَابَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَلَا يَكُونَ لَهَا وَلَاءٌ فَلْتَفْعَلْ .

قَوْلُهَا : ( فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ ) وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( وُقِيَّةٌ ) وَفِي بَعْضِهَا ( أُوقِيَّةٌ ) بِالْأَلِفِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ( فَوُقِيَّةٌ ) بِغَيْرِ أَلِفٍ بِاتِّفَاقِ النُّسَخِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُمَا لُغَتَانِ إِثْبَاتُ الْأَلِفِ أَفْصَحُ وَالْأُوقِيَّةُ الْحِجَازِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا .




[ سـ :2855 ... بـ :1504]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إِنَّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقُلْتُ لَهَا إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَأَتَتْنِي فَذَكَرَتْ ذَلِكَ قَالَتْ فَانْتَهَرْتُهَا فَقَالَتْ لَا هَا اللَّهِ إِذَا قَالَتْ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلْتُ قَالَتْ ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ أَعْتِقْ فُلَانًا وَالْوَلَاءُ لِي إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ قَالَ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ أَمَّا بَعْدُ

قَوْلُهَا : ( فَانْتَهَرَتْهَا فَقَالَتْ لَاهَا اللَّهِ ذَلِكَ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( لَاهَاءَ اللَّهِ إِذَا ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ، وَفِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ ( لَاهَاءَ اللَّهِ إِذَا ) بِمَدِّ قَوْلِهِ ( هَاءَ ) وَبِالْأَلِفِ فِي ( إِذَا ) قَالَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ : هَذَانِ لَحْنَانِ وَصَوَابُهُ ( لَاهَا اللَّهِ ذَا ) بِالْقَصْرِ فِي ( هَا ) وَحَذْفِ الْأَلِفِ مِنْ ( إِذَا ) قَالُوا : وَمَا سِوَاهُ خَطَأٌ . وَمَعْنَاهُ ( ذَا يَمِينِي ) وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ . أَنَّ الصَّوَابَ ( لَاهَا اللَّهِ ذَا ) بِحَذْفِ الْأَلِفِ ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ : يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ فِي ( هَا ) وَكُلُّهُمْ يُنْكِرُونَ الْأَلِفَ فِي ( إِذَا ) وَيَقُولُونَ : صَوَابُهُ ( ذَا ) . قَالُوا : وَلَيْسَتِ الْأَلِفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ : جَاءَ فِي الْقَسَمِ ( لَاهَاءَ اللَّهِ ) قَالَ : وَالْعَرَبُ تَقُولُهُ بِالْهَمْزَةِ وَالْقِيَاسُ تَرْكُهُ ، قَالَ : وَمَعْنَاهُ ( لَا وَاللَّهِ هَذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ ) . فَأَدْخَلَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ ( هَا وَذَا ) وَاسْمُ زَوْجِ بَرِيرَةَ ( مُغِيثٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .