فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ الْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ

باب جَوَازِ الْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ
[ سـ :890 ... بـ :544]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ وَمَنْ عَمِلَهُ وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبَّاسٍ فَحَدِّثْنَا قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى امْرَأَةٍ قَالَ أَبُو حَازِمٍ إِنَّهُ لَيُسَمِّهَا يَوْمَئِذٍ انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهِيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَسَأَلُوهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقُوا الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ

بَابُ جَوَازِ الْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ " وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَوْضِعٍ أَرْفَعَ مِنَ الْمَأْمُومِينَ لِلْحَاجَةِ كَتَعْلِيمِهِمُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فِيهِ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَنُزُولُهُ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : كَانَ الْمِنْبَرُ الْكَرِيمُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُطْوَتَيْنِ إِلَى أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ سَجَدَ فِي جَنْبِهِ ، فَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ ، وَاسْتِحْبَابُ كَوْنِ الْخَطِيبِ وَنَحْوِهِ عَلَى مُرْتَفِعٍ كَمِنْبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَجَوَازُ الْفِعْلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ الْخُطْوَتَيْنِ لَا تَبْطُلُ بِهِمَا الصَّلَاةُ ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ ، فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَفِيهِ أَنَّ الْفِعْلَ الْكَثِيرَ كَالْخُطُوَاتِ وَغَيْرِهَا إِذَا تَفَرَّقَتْ لَا تُبْطِلُ ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَالصُّعُودَ تَكَرَّرَ . وَجُمْلَتُهُ كَثِيرَةٌ ، وَلَكِنَّ أَفْرَادُهُ الْمُتَفَرِّقَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَلِيلٌ .

وَفِيهِ : جَوَازُ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَوْضِعٍ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ الْمَأْمُومِينَ ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ ، وَارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَكَذَا إِنْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ إِعْلَامَ الْمَأْمُومِينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَاحْتَاجَ إِلَى الِارْتِفَاعِ . وَفِيهِ : تَعْلِيمُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَةِ ، بَلْ هُوَ كَرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَهُمْ .

قَوْلُهُ : ( تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ ) أَيِ اخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِنْبَرُ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ .

قَوْلُهُ : ( أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى امْرَأَةٍ انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا ) هَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ سَعْدٍ ، وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا ؟ قَالَ : إِنْ شِئْتِ ؛ فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ . وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي ظَاهِرِهَا مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ سُهَيْلٍ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ عَرَضَتْ هَذَا أَوَّلًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْلُبُ تَنْجِيزَ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ ) هَذَا مِمَّا يُنْكِرُهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولَ : ثَلَاثُ الدَّرَجَاتِ ، أَوِ الدَّرَجَاتُ الثَّلَاثُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِكَوْنِهِ لُغَةً قَلِيلَةً . وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ .

قَوْلُهُ : ( فَهِيَ مِنْ طُرَفَاءِ الْغَابَةِ ) الطُّرَفَاءُ مَمْدُودَةٌ . وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ( مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ . وَالْأَثْلُ : الطُّرَفَاءُ ، وَالْغَابَةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ ) هَكَذَا هُوَ ( رَفَعَ ) بِالْفَاءِ ، أَيْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ . وَالْقَهْقَرَى : هُوَ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفُ ، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى لِئَلَّا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ تَتَعَلَّمُوا ، فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صُعُودَهُ الْمِنْبَرَ ، وَصَلَاتُهُ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِلتَّعْلِيمِ ؛ لِيَرَى جَمِيعُهُمْ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ إِلَّا بَعْضُهُمْ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْهُ .

قَوْلُهُ : ( يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيِّ ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَّةِ ، الْقَبِيلَةِ الْمَعْرُوفَةِ .

قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ : ( وَسَاقُوا الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ( وَسَاقُوا ) بِضَمِيرِ الْجَمْعِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : ( وَسَاقَا ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، فَهُمَا شَرِيكَا ابْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، وَلَعَلَّهُ أَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَمُرَادُهُ الِاثْنَانِ ، وَإِطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ جَائِزٌ بِلَا شَكٍّ ، لَكِنْ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ . الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ مَجَازٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُسْلِمًا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : وَسَاقُوا ، الرُّوَاةُ عَنْ يَعْقُوبَ وَعَنْ سُفْيَانَ وَهُمْ كَثِيرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .