فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الشُّؤْمِ

باب الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الشُّؤْمِ
[ سـ :4240 ... بـ :2223]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ح وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَفِي حَدِيثِ عُقَيْلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُ وَفِي حَدِيثِ شُعَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ مَعْمَرٌ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا طِيَرَةَ ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ ) قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ : الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ ) أَمَّا ( الطِّيَرَةُ ) فَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى وَزْنِ الْعِنَبَةِ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ ، وَحَكَى الْقَاضِي وَابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَكَّنَ الْيَاءَ ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ . قَالُوا : وَهِيَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ طِيَرَةً قَالُوا : وَلَمْ يَجِئْ فِي الْمَصَادِرِ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ إِلَّا تَطَيَّرَ طِيَرَةً ، وَتَخَيَّرَ خِيَرَةً بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَجَاءَ فِي الْأَسْمَاءِ حَرْفَانِ وَهُمَا شَيْءٌ طِيَبَةٌ أَيْ طَيِّبٌ ، وَ ( التِّوَلَةُ ) بِكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّهَا وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السِّحْرِ ، وَقِيلَ : يُشْبِهُ السِّحْرَ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : هُوَ مَا تَتَحَبَّبُ بِهِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا .

وَ ( التَّطَيُّرُ ) التَّشَاؤُمُ ، وَأَصْلُهُ الشَّيْءُ الْمَكْرُوهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَرْئِيٍّ ، وَكَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ ، فَيُنَفِّرُونَ الظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ ، فَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ تَبَرَّكُوا بِهِ ، وَمَضَوْا فِي سَفَرِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ ، وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعُوا عَنْ سَفَرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ ، وَتَشَاءَمُوا بِهَا ، فَكَانَتْ تَصُدُّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ ، فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ ، وَنَهَى عَنْهُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِنَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا طِيَرَةَ ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) أَيِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ ؛ إِذْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا مُعْتَقِدِينَ تَأْثِيرَهَا ، فَهُوَ شِرْكٌ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ .

وَأَمَّا ( الْفَأْلُ ) فَمَهْمُوزٌ ، وَيَجُوزُ تَرْكُ هَمْزِهِ ، وَجَمْعُهُ فُؤُولٌ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الصَّالِحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : يَكُونُ الْفَأْلُ فِيمَا يُسِرُّ ، وَفِيمَا يَسُوءُ ، وَالْغَالِبُ فِي السُّرُورِ . وَالطِّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِيمَا يَسُوءُ . قَالُوا : وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي السُّرُورِ ، يُقَالُ : تَفَاءَلْتُ بِكَذَا بِالتَّخْفِيفِ ، وَتَفَأَّلْت بِالتَّشْدِيدِ ، وَهُوَ الْأَصْلُ ، وَالْأَوَّلُ مُخَفَّفٌ مِنْهُ وَمَقْلُوبٌ عَنْهُ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا أُحِبُّ الْفَأْلَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَمَلَ فَائِدَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلَهُ عِنْدَ سَبَبٍ قَوِيٍّ أَوْ ضَعِيفٍ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ غَلِطَ فِي جِهَةِ الرَّجَاءِ فَالرَّجَاءُ لَهُ خَيْرٌ . وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُ ، وَالطِّيَرَةُ فِيهَا سُوءُ الظَّنِّ وَتَوَقُّعُ الْبَلَاءِ . وَمَنْ أَمْثَالِ التَّفَاؤُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَرِيضٌ ، فَيَتَفَاءَلُ بِمَا يَسْمَعُهُ ، فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ : يَا سَالِمُ ، أَوْ يَكُونُ طَالِبَ حَاجَةٍ فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ : يَا وَاجِدُ ، فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ رَجَاءُ الْبُرْءِ أَوِ الْوِجْدَانِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4245 ... بـ :2225]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ : الْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ، وَالدَّارِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ ، وَالْمَسْكَنِ ، وَالْمَرْأَةِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ ، وَالْخَادِمِ ، وَالْفَرَسِ ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ : هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَادِمِ قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .

وَمَعْنَاهُ قَدْ يَحْصُلُ الشُّؤْمُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ : ( إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ ) وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ : هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الطِّيَرَةِ ؛ أَيِ الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ يُكْرَهُ سُكْنَاهَا ، أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا ، أَوْ فَرَسٌ أَوْ خَادِمٌ فَلْيُفَارِقِ الْجَمِيعَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا ، وَسُوءُ جِيرَانِهَا ، وَأَذَاهُمْ . وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا ، وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا ، وَتَعَرُّضُهَا لِلرَّيْبِ . وَشُؤْمُ الْفَرَسِ : أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا ، وَقِيلَ : حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا . وَشُؤْمُ الْخَادِمِ سُوءُ خُلُقِهِ ، وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالشُّؤْمِ هُنَا عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ .

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ بِحَدِيثِ ( لَا طِيَرَةَ ) عَلَى هَذَا ، فَأَجَابَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ حَدِيثِ ( لَا طِيَرَةَ إِلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ) قَالَ الْقَاضِي : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي الْأَحَادِيثِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :

أَحَدُهَا مَا لَمْ يَقَعِ الضَّرَرُ بِهِ وَلَا اطَّرَدَتْ عَادَةٌ خَاصَّةٌ وَلَا عَامَّةٌ ، فَهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ، وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إِلَيْهِ ، وَهُوَ الطِّيَرَةُ .

وَالثَّانِي مَا يَقَعُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ عُمُومًا لَا يَخُصُّهُ ، وَنَادِرًا لَا مُتَكَرِّرًا كَالْوَبَاءِ ، فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ .

وَالثَّالِثُ مَا يَخُصُّ وَلَا يَعُمُّ كَالدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ ، فَهَذَا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .