فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

باب قَوْله تَعَالَى إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
[ سـ :5092 ... بـ :2763]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ فَنَزَلَتْ أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ إِمَّا قُبْلَةً أَوْ مَسًّا بِيَدٍ أَوْ شَيْئًا كَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ كَفَّارَتِهَا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ شَيْئًا دُونَ الْفَاحِشَةِ فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ وَالْمُعْتَمِرِ

قَوْلُهُ فِي الَّذِي أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَسَنَاتِ تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحَسَنَاتِ هُنَا ، فَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ هِيَ قَوْلُ الْعَبْدِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَسَنَاتُ مُطْلَقًا ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ مَا يُكَفِّرُ مِنَ الْمَعَاصِي بِالصَّلَاةِ ، وَسَبَقَ فِي مَوَاضِعَ ، قَوْلُهُ تَعَالَى : وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ هِيَ سَاعَتُهُ ، وَيَدْخُلُ فِي صَلَاةِ طَرَفَيِ النَّهَارِ الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ ، وَفِي زُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ .

قَوْلُهُ : ( أَصَابَ مِنْهَا دُونَ الْفَاحِشَةِ ) أَيْ : دُونَ الزِّنَا فِي الْفَرْجِ .




[ سـ :5093 ... بـ :2763]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ قَالَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ خَالِهِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ مُعَاذٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِهَذَا خَاصَّةً أَوْ لَنَا عَامَّةً قَالَ بَلْ لَكُمْ عَامَّةً

قَوْلُهُ : ( عَالَجْتُ امْرَأَةً وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا ) مَعْنَى عَالَجَهَا : أَيْ تَنَاوَلَهَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعِ ، وَمَعْنَاهُ : اسْتَمْتَعْتُ بِهَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ إِلَّا الْجِمَاعَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ) هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ ( كَافَّةً ) حَالٌ أَيْ : كُلُّهُمْ ، وَلَا يُضَافُ ، فَيُقَالُ : كَافَّةُ النَّاسِ ، وَلَا الْكَافَّةُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي تَصْحِيفِ الْعَوَامِّ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ .




[ سـ :5095 ... بـ :2765]
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا شَدَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَسَكَتَ عَنْهُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ وَاتَّبَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُلِ فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ أَوْ قَالَ ذَنْبَكَ

قَوْلُهُ : ( أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ : هَلْ حَضَرْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : قَدْ غُفِرَ لَكَ ) هَذَا الْحَدُّ مَعْنَاهُ مَعْصِيَةٌ مِنَ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ ، وَهِيَ هُنَا مِنَ الصَّغَائِرِ ; لِأَنَّهَا كَفَّرَتْهَا الصَّلَاةُ ، وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِحَدٍّ ، أَوْ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ لَمْ تَسْقُطْ بِالصَّلَاةِ ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةَ لِلْحُدُودِ لَا تَسْقُطُ حُدُودُهَا بِالصَّلَاةِ . هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمِ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ الْمَعْرُوفِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا لَمْ يَحُدَّهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ مُوجِبَ الْحَدِّ ، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ إِيثَارًا لِلسَّتْرِ ، بَلِ اسْتُحِبَّ تَلْقِينُ الرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِمُوجِبِ الْحَدِّ صَرِيحًا .