فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا


[ سـ :1152 ... بـ :685]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ

قَوْلُهَا : ( فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ ، وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ . وَلَنَا قَوْلٌ : أَنَّ الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ ، وَوَجْهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَثِيرُونَ : الْقَصْرُ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِتْمَامُ ، وَيَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَبِأَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ كَانَ الْقَصْرُ ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ ، لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَبِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ ، وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعُ الْجُنَاحِ وَالْإِبَاحَةِ . وَأَمَّا حَدِيثُ : فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ : فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا . فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّحْتِيمِ ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَثَبَتَتْ دَلَائِلُ جَوَازِ الْإِتْمَامِ ؛ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ دَلَائِلِ الشَّرْعِ .




[ سـ :1154 ... بـ :685]
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ قَالَ إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ : مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ ؟ فَقَالَ : إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِمَا . فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْقَصْرَ جَائِزًا وَالْإِتْمَامَ جَائِزًا فَأَخَذَا بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ ، وَهُوَ الْإِتْمَامُ . وَقِيلَ : لِأَنَّ عُثْمَانَ إِمَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَائِشَةُ أُمُّهُمْ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَنَازِلِهِمَا ، وَأَبْطَلَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمَا ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقِيلَ : لِأَنَّ عُثْمَانَ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ . وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَافَرَ بِأَزْوَاجِهِ وَقَصَرَ ، وَقِيلَ : فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ حَضَرُوا مَعَهُ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا ، وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، بَلِ اشْتَهَرَ أَمْرُ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ . وَقِيلَ : لِأَنَّ عُثْمَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ . وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ حَرَامٌ عَلَى الْمُهَاجِرِ فَوْقَ ثَلَاثٍ .

وَقِيلَ : كَانَ لِعُثْمَانَ أَرْضٌ بِمِنًى ، وَأَبْطَلُوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْإِتْمَامَ وَالْإِقَامَةَ . وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ . وَشَرَطَ بَعْضُ السَّلَفِ كَوْنَهُ سَفَرَ خَوْفٍ ، وَبَعْضُهُمْ كَوْنَهُ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ ، وَبَعْضُهُمْ كَوْنَهُ سَفَرَ طَاعَةٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ : وَلَا يَجُوزُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ : وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي مَسِيرَةِ مَرْحَلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً ، وَالْمِيلُ : سِتُّ آلَافِ ذِرَاعٍ ، وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ ، وَالْإِصْبَعُ : سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ : لَا يُقْصِرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ . وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ ، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ : يَجُوزُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ قَصَرَ .




[ سـ :1155 ... بـ :686]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ ) هُوَ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أُخْرَى مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ، وَيُقَالُ فِيهِ : ابْنُ بَابَاهُ ، وَابْنُ بَابِي بِكَسْرِ الْبَاءِ الثَّانِيَةِ .

قَوْلُهُ : ( عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ( مَا عَجِبْتُ ) وَفِي بَعْضِهَا ( عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ ) ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ . وَفِيهِ : جَوَازُ قَوْلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْنَا ، وَاللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا ، وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ ، وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ ، وَفِيهِ : جَوَازُ الْقَصْرِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ . وَفِيهِ : أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا رَأَى الْفَاضِلَ يَعْمَلُ شَيْئًا يُشْكِلُ عَلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1156 ... بـ :687]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فَرَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً ) هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ : إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَجَبَ رَكْعَتَانِ . وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَةٌ أُخْرَى يَأْتِي بِهَا مُنْفَرِدًا كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ . وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1157 ... بـ :687]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ جَمِيعًا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ .

قَوْلُهُ : ( حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ ) أَيْ مَنْزِلَهُ .

قَوْلُهُ : ( فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ ) أَيْ حَضَرَتْ وَحَصَلَتْ .

قَوْلُهُ : ( لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي ) الْمُسَبِّحُ هُنَا الْمُتَنَفِّلُ بِالصَّلَاةِ ، وَالسُّبْحَةُ هُنَا صَلَاةُ النَّفْلِ .




[ سـ :1159 ... بـ :689]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ( ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ) وَذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ( وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سِتَّ سِنِينَ ) ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ . وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مِنًى ، وَالرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّةً . وَقَدْ فَسَّرَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ إِتْمَامَ عُثْمَانَ إِنَّمَا كَانَ بِمِنًى ، وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا . وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ بِعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى لِلْحَاجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا ، وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ . هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ . وَقَالَ مَالِكٌ : يُقْصِرُ أَهْلُ مَكَّةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَاتٍ ، فَعِلَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ النُّسُكُ ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ عِلَّتُهُ السَّفَرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1160 ... بـ :689]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ مَرِضْتُ مَرَضًا فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِي قَالَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ السُّبْحَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمَا رَأَيْتُهُ يُسَبِّحُ وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

وَقَوْلُهُ : ( وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ ) مَعْنَاهُ : لَوِ اخْتَرْتُ التَّنَفُّلَ لَكَانَ إِتْمَامُ فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبُّ إِلَيَّ ، وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا ، بَلِ السُّنَّةُ الْقَصْرُ وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ ، وَمُرَادُهُ النَّافِلَةُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ . وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهَا فِي السَّفَرِ ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا ، كَمَا ثَبَتَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الصَّحِيحِ عَنْهُ . وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي السَّفَرِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فَكَرِهَهَا ابْنُ عُمَرَ وَآخَرُونَ ، وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْجُمْهُورُ ، وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَدْبِ الرَّوَاتِبِ ، وَحَدِيثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ ، وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ حِينَ نَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، وَأَحَادِيثُ أُخَرَ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ ، وَالْقِيَاسِ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ ، وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي رَحْلِهِ ، وَلَا يَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ ؛ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ ، أَوْ لَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا . وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَكَانَ إِتْمَامُ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى ، فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ مُتَحَتِّمَةٌ فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّةً لَتَحَتَّمَ إِتْمَامُهَا . وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَهِيَ إِلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ فَالرِّفْقُ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً ، وَيَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَحَصَلَ ثَوَابُهَا ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .




[ سـ :1162 ... بـ :690]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ

قَوْلُهُ : ( صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ) وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ ، وَيُقَالُ : سَبْعَةٌ . هَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ مَرْحَلَتَيْنِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ : شَرْطُهُ ثَلَاثُ مَرَاحِلٍ ، وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ آثَارًا عَنِ الصَّحَابَةِ . وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ حِينَ سَافَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَدْرَكَتْهُ الْعَصْرُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ، فَصَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ كَانَ غَايَةَ سَفَرِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ قَطْعًا . وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْقَصْرِ فَيَجُوزُ مِنْ حِينِ يُفَارِقُ بُنْيَانَ بَلَدِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ ، هَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ ، وَتَفْصِيلُهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ . هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً ، إِلَّا رِوَايَةً ضَعِيفَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ . وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ قَصَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي يَوْمِ خُرُوجِهِ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُنَابِذَةٌ لِلسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .




[ سـ :1163 ... بـ :691]
وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ شُعْبَةُ الشَّاكُّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

قَوْلُهُ : ( يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهُنَائِيُّ ) هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مُخَفَّفَةٌ وَبِالْمَدِّ الْمَنْسُوبِ إِلَى هَنَاءَ بْنِ مَالِكِ بْنِ فَهْمٍ . قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ) هَذَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَسْفَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَا كَانَ يُسَافِرُ سَفَرًا طَوِيلًا ، فَيَخْرُجُ عِنْدَ حُضُورِ فَرِيضَةٍ مَقْصُورَةٍ وَيَتْرُكُ قَصْرَهَا بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَيُتِمُّهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ يُسَافِرُ بَعِيدًا مِنْ وَقْتِ الْمَقْصُورَةِ فَتُدْرِكُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أكْثَرَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ . وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مُتَعَاضِدَاتٍ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى مُسَافِرًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1164 ... بـ :692]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ عَنْ ابْنِ السِّمْطِ وَلَمْ يُسَمِّ شُرَحْبِيلَ وَقَالَ إِنَّهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا دُومِينَ مِنْ حِمْصَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدِ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ، فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ : إِنَّمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةُ تَابِعِيِّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ فَمَنْ بَعْدَهُ ، وَتَقَدَّمَتْ لِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَاقِيهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَ ( يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ . وَ ( نُفَيْرٌ ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ . وَ ( السِّمْطُ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ ، وَيُقَالُ : السَّمِطُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّمَا هُوَ الْقَصْرُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا غَايَةَ السَّفَرِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( قَصَرَ شُرَحْبِيلُ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا ) فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ فَعَلَ شَيْئًا يُخَالِفُ الْجُمْهُورَ ، أَوْ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ ، لَا أَنَّهَا غَايَتُهُ . وَهَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُ بِفِعْلِ عُمَرَ ، وَنَقْلُهُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا : دُومَيْنِ مِنْ حِمْصَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا ) هِيَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْوَاوُ سَاكِنَةٌ وَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ ، وَحِمْصُ لَا يَنْصَرِفُ وَإِنْ كَانَتِ اسْمًا ثُلَاثِيًّا سَاكِنَ الْأَوْسَطِ ؛ لِأَنَّهَا عَجَمِيَّةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْعُجْمَةُ وَالْعَلَمِيَّةُ وَالتَّأْنِيثُ ، كَمَاهَ وَجَوْرَ وَنَظَائِرِهِمَا .