فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ عَلَيْهِ ، وَإِثْبَاتِ

باب عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ
[ سـ :5241 ... بـ :2866]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

( بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ )

اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا الْآيَةَ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ، وَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ فِي جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ وَيُعَذِّبُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَسَمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ مَنْ يُعَذَّبُ فِيهِ ، وَسَمَاعِ الْمَوْتَى قَرْعَ نِعَالِ دَافِنِيهِمْ ، وَكَلَامِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْقَلِيبِ ، وَقَوْلِهُ : مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ ، وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ الْمَيِّتَ ، وَإِقْعَادِهِمَا إِيَّاهُ ، وَجَوَابِهُ لَهُمَا ، وَالْفَسْحِ لَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَعَرْضِ مَقْعَدِهِ عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، وَسَبَقَ مُعْظَمُ شَرْحِ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ، وَكِتَابِ الْجَنَائِزِ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ كَمَا ذَكَرْنَا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ ، وَمُعْظَمِ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ نَفَوْا ذَلِكَ ، ثُمَّ الْمُعَذَّبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْجَسَدُ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ ، وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِرَامٍ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا : لَا يُشْتَرَطُ إِعَادَةُ الرُّوحِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : هَذَا فَاسِدٌ ; لِأَنَّ الْأَلَمَ وَالْإِحْسَاسَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ كَمَا نُشَاهِدُ فِي الْعَادَةِ أَوْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ أَوْ حِيتَانُ الْبَحْرِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُهُ لِلْحَشْرِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ ، فَكَذَا يُعِيدُ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ أَجْزَاءٍ وَإِنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ ، فَإِنْ قِيلَ فَنَحْنُ نُشَاهِدُ الْمَيِّتَ عَلَى حَالِهِ فِي قَبْرِهِ ، فَكَيْفَ يُسْأَلُ وَيُقْعَدُ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ، بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ ، فَإِنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً وَآلَامًا لَا نُحِسُّ نَحْنُ شَيْئًا مِنْهَا ، وَكَذَا يَجِدُ الْيَقْظَانُ لَذَّةً وَأَلَمًا لِمَا يَسْمَعُهُ أَوْ يُفَكِّرُ فِيهِ وَلَا يُشَاهِدُ ذَلِكَ جَالِسُوهُ مِنْهُ ، وَكَذَا كَانَ جِبْرَائِيلُ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرُهُ بِالْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَلَا يُدْرِكُهُ الْحَاضِرُونَ ، وَكُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَأَمَّا إِقْعَادُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْمَقْبُورِ دُونَ الْمَنْبُوذِ ، وَمَنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ ، وَأَمَّا ضَرْبُهُ بِالْمَطَارِقِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوَسَّعَ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَيُقْعَدُ وَيُضْرَبُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ ) هَذَا تَنْعِيمٌ لِلْمُؤْمِنِ وَتَعْذِيبٌ لِلْكَافِرِ .




[ سـ :5243 ... بـ :2867]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ قَالَ كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ فَقَالَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قَالَ فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ

قَوْلُهُ : ( حَادَتْ بِهِ بَغْلَتُهُ ) أَيْ : مَالَتْ عَنِ الطَّرِيقِ وَنَفَرَتْ ، وَقَرْعُ النِّعَالِ وَخَفْقُهَا : هُوَ ضَرْبُهَا الْأَرْضَ ، وَصَوْتُهَا فِيهَا .




[ سـ :5246 ... بـ :2870]
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ قَالَ يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ قَالَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ قَالَ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَةُ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

قَوْلُهُ : ( مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ ) يَعْنِي بِالرَّجُلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا يَقُولُهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَعْظِيمٌ ; امْتِحَانًا لِلْمَسْئُولِ لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ تَعْظِيمَهُ مِنْ عِبَارَةِ السَّائِلِ ، ثُمَّ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا .

قَوْلُهُ : ( يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) الْخَضِرُ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا : بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ ، وَالثَّانِي : بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ، وَمَعْنَاهُ : يمْلَأُ نِعَمًا غَضَّةً نَاعِمَةً وَأصْلُهُ مِنْ خَضِرَةِ الشَّجَرِ ، هَكَذَا فَسَّرُوهُ ، قَالَ الْقَاضِي : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَسْحُ لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّهُ يُرْفَعُ عَنْ بَصَرِهِ مَا يُجَاوِزُهُ مِنَ الْحُجُبِ الْكَثِيفَةِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهُ ظُلْمَةُ الْقَبْرِ وَلَا ضِيقُهُ إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ رُوحُهُ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالِاسْتِعَارَةِ لِلرَّحْمَةِ وَالنَّعِيمِ ، كَمَا يُقَالُ : سَقَى اللَّهُ قَبْرَهُ ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :5250 ... بـ :2872]
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا بُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ قَالَ وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا

قَوْلُهُ فِي رُوحِ الْمُؤْمِنِ : ( ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ ، ثُمَّ قَالَ فِي رُوحِ الْكَافِرِ فَيُقَالُ : انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ ) قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ : انْطَلِقُوا بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي انْطَلِقُوا بِرُوحِ الْكَافِرِ إِلَى سِجِّينٍ ، فَهِيَ مُنْتَهَى الْأَجَلِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ إِلَى انْقِضَاءِ أَجَلِ الدُّنْيَا .

قَوْلُهُ : ( فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ ) الرَّيْطَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهُوَ ثَوْبٌ رَقِيقٌ ، وَقِيلَ : هِيَ الْمُلَاءَةُ ، وَكَانَ سَبَبُ رَدِّهَا عَلَى الْأَنْفِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ مِنْ نَتْنِ رِيحِ رُوحِ الْكَافِرِ .




[ سـ :5251 ... بـ :2873]
حَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ كُنْتُ مَعَ عُمَرَ ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَتَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ فَرَأَيْتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي قَالَ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ أَمَا تَرَاهُ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ قَالَ يَقُولُ عُمَرُ سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَئُوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ فَقَالَ يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا

قَوْلُهُ : ( حَدِيدُ الْبَصَرِ ) بِالْحَاءِ ، أَيْ : نَافِذُهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ . . . إِلَى آخِرِهِ ) هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّاهِرَةُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى بَدْرٍ : ( مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ) قَالَ الْمَازِرِيُّ : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : الْمَيِّتُ يَسْمَعُ عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، ثُمَّ أَنْكَرَهُ الْمَازِرِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ فِي هَؤُلَاءِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضُ وَقَالَ : يُحْمَلُ سَمَاعُهُمْ عَلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ سَمَاعُ الْمَوْتَى فِي أَحَادِيثَ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ ، الَّتِي لَا مَدْفَعَ لَهَا ، وَذَلِكَ بِإِحْيَائِهِمْ أَوْ إِحْيَاءِ جُزْءٍ مِنْهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ وَيَسْمَعُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ اللَّهُ ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَحَادِيثُ السَّلَامِ عَلَى الْقُبُورِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :5252 ... بـ :2875]
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا وَفِي حَدِيثِ رَوْحٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَأُلْقُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ

قَوْلُهُ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا ؟ ) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ ( كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا ) مِنْ غَيْرِ نُونٍ ، وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ ، وَسَبَقَ بَيَانُهَا مَرَّاتٍ ، وَمِنْهَا : الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ : لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَقَوْلُهُ ( جَيَّفُوا ) أَيْ : أَنْتَنُوا وَصَارُوا جِيَفًا ، يُقَالُ : جَيَّفَ الْمَيِّتُ وَجَافَ وَأَجَافَ وَأَرْوَحَ وَأَنْتَنَ بِمَعْنًى .

قَوْلُهُ : ( فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ ) الْقَلِيبُ وَالطَّوِيُّ بِمَعْنًى ، وَهِيَ : الْبِئْرُ الْمَطْوِيَّةُ بِالْحِجَارَةِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَهَذَا السَّحْبُ إِلَى الْقَلِيبِ لَيْسَ دَفْنًا لَهُمْ ، وَلَا صِيَانَةً وَحُرْمَةً ، بَلْ لِدَفْعِ رَائِحَتِهِمُ الْمُؤْذِيَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .