فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةِ

باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةَ
[ سـ :997 ... بـ :607]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ) . وَفِي رِوَايَةٍ ( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ مُدْرِكًا لِكُلِّ الصَّلَاةِ ، وَتَكْفِيهِ وَتَحْصُلُ بَرَاءَتُهُ مِنَ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ ، بَلْ هُوَ مُتَأَوَّلٌ ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ وُجُوبَهَا أَوْ فَضْلَهَا .

قَالَ أَصْحَابُنَا : يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ . إِحْدَاهَا : إِذَا أَدْرَكَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ رَكْعَةً مِنْ وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ ، وَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ يَبْلُغُ ، وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقَانِ ، وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ تَطْهُرَانِ ، وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ . فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ رَكْعَةً قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ ، وَإِنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ كَتَكْبِيرَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : أَحَدُهُمَا : لَا تَلْزَمُهُ ؛ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا : تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ، وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَدْرَ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا بِالِاتِّفَاقِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ وَرَكْعَةٍ . وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِرَكْعَةٍ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ ، فَإِنَّ غَالِبَ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ إِدْرَاكِهِ رَكْعَةً وَنَحْوَهَا ، وَأَمَّا التَّكْبِيرَةُ فَلَا يَكَادُ يُحَسُّ بِهَا . وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ أَوِ الرَّكْعَةِ إِمْكَانَ الطَّهَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا : أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا ، فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ ؛ كَانَ مُدْرِكًا لِأَدَائِهَا وَيَكُونُ كُلُّهَا أَدَاءً . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ . وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مُسَافِرٍ نَوَى الْقَصْرَ وَصَلَّى رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَبَاقِيهَا بَعْدَهُ ، فَإِنْ قُلْنَا : الْجَمِيعُ أَدَاءٌ ، فَلَهُ قَصْرُهَا ، وَإِنْ قُلْنَا : كُلُّهَا قَضَاءٌ أَوْ بَعْضُهَا ؛ وَجَبَ إِتْمَامُهَا أَرْبَعًا ، إِنْ قُلْنَا : إِنَّ فَائِتَةَ السَّفَرِ إِذَا قَضَاهَا فِي السَّفَرِ يَجِبُ إِتْمَامُهَا ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ ، فَإِنْ كَانَ دُونَ رَكْعَةٍ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ كَالرَّكْعَةِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ التَّأْخِيرِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهَا أَدَاءٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ عَلَى قَوْلِنَا : أَدَاءٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً كَانَ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً بَلْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ السَّلَامِ بِحَيْثُ لَا يُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا : أَحَدُهُمَا : لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ، وَالثَّانِي - وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا - : يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ ، وَيُجَابُ عَنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ . هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ أَوِ الْعَصْرِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يُتِمُّهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْعَصْرِ . وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ : تَبْطُلُ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غُرُوبِ الشَّمْسِ . وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ .