فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ التَّيَمُّمِ

باب التَّيَمُّمِ
[ سـ :585 ... بـ :367]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا أَلَا تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ

بَابُ التَّيَمُّمِ التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ : التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ ، يُقَالُ : تَيَمَّمْتُ فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْتُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ خِصِّيصَةٌ خَصَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أكْبَرَ ، وَسَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنِ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ ، وَضَرْبَةٍ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفِقَيْنِ . وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَآخَرُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ ، وَمَكْحُولٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَأَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ .

وَحُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْإِبْطَيْنِ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ : لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَسْحُ مَا وَرَاءِ الْمَرْفِقَيْنِ ، وَحَكَى أَصْحَابُنَا أَيْضًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ : ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ ، وَضَرْبَةٍ ثَانِيَةٍ لِكَفَّيْهِ ، وَثَالِثَةٍ لِذِرَاعَيْهِ .

وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَفِ وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ ، وَقِيلَ : إِنَّ عُمَرَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ ، رَجَعَا عَنْهُ . وَقَدْ جَاءَتْ بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُعْزِبِ فِي الْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَا عَادِمَيْنِ لِلْمَاءِ ، وَيَغْسِلَانِ فَرْجَيْهِمَا ، وَيَتَيَمَّمَانِ ، وَيُصَلِّيَانِ ، وَيَجْزِيهِمَا التَّيَمُّمُ ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمَا إِذَا غَسَلَا فَرْجَيْهِمَا . فَإِنْ لَمْ يَغْسِلِ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ رُطُوبَةَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ لَزِمَهُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ نَجَاسَةٌ فَأَرَادَ التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَلَى بَدَنِهِ ، وَلَمْ يَجُزِ إِذَا كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ إِعَادَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ . وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ : يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ ، وَيُصَلِّي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بِالتَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إِذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوِ الْجِرَاحَةِ وَنَحْوهِمَا ، وَأَمَّا إِذَا تَيَمَّمَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا كَالسَّفَرِ لَمْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْدَمُ فِيهِ الْمَاءَ إِلَّا نَادِرًا وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا جِنْسُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى بِالصَّخْرَةِ الْمَغْسُولَةِ ، وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ مِنَ الْخَشَبِ وَغَيْرِهِ ، وَعَنْ مَالِكٍ فِي الثَّلْجِ رِوَايَتَانِ . وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالثَّلْجِ وَكُلِّ مَا عَلَى الْأَرْضِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا حُكْمُ التَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ ، فَيَسْتَبِيحُ بِهِ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ ، وَإِنْ نَوَى النَّفْلَ اسْتَبَاحَ النَّفْلَ وَلَمْ يَسْتَبِحْ بِهِ الْفَرْضَ ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ فَرِيضَةً وَجَنَائِزَ ، وَلَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ، وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ مَاءً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، بَلْ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ) فِيهِ جَوَازُ مُسَافَرَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ .

قَوْلُهَا : ( حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ ) أَمَّا ( الْبَيْدَاءُ ) فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَوَّلِهَا وَبِالْمَدِّ ، وَأَمَّا ( ذَاتُ الْجَيْشِ ) فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْبَيْدَاءُ وَذَاتُ الْجَيْشِ مَوْضِعَانِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ ، وَأَمَّا ( الْعِقْدُ ) فَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ فَيُسَمَّى عِقْدًا وَقِلَادَةً ، وَأَمَّا قَوْلُهَا ( عِقْدٌ لِي ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اسْتَعَارَتْ مِنَ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِلْكٌ لِأَسْمَاءَ وَأَضَافَتْهُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَى نَفْسِهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا ، وَقَوْلُهَا : ( فَهَلَكَتْ ) مَعْنَاهُ ضَاعَتْ ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْعَارِيَةِ ، وَجَوَازُ عَارِيَةِ الْحُلِيِّ ، وَجَوَازُ الْمُسَافَرَةِ بِالْعَارِيَةِ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ ، وَجَوَازُ اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ . وَفِيهِ الِاعْتِنَاءُ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ قَلَّتْ ، وَلِهَذَا أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ ، وَجَوَازِ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَإِنْ احْتَاجَ إِلَى التَّيَمُّمِ ، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهَا : ( فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي ) فِي تَأْدِيبِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ ، وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً مُزَوَّجَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ . وَقَوْلُهَا : ( يَطْعُنُ ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحِهَا ، وَفِي الطَّعْنِ فِي الْمَعَانِي عَكْسُهُ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَحُضَيْرٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ بَيَانُهُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ .

قَوْلُهَا : ( فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهَ ) كَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَوَجَدَهَا وَفِي رِوَايَةٍ : رَجُلَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ : نَاسًا وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمَبْعُوثُ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَتْبَاعٌ لَهُ فَذَهَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا ، ثُمَّ وَجَدَهَا أُسَيْدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ تَحْتَ الْبَعِيرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :586 ... بـ :367]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً

قَوْلُهُ : ( فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ : أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ . أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَسِيَ عُضْوًا مِنَ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ ، وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهِ مُحْدِثًا وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ ، وَالرَّابِعُ يَجِبُ الصَّلَاةُ وَلَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ ، وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وَيُعَضِّدهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَشْبَاهُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيجَابَ إِعَادَةِ مِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَمْرُ ، فَلَا يَجِبُ ، وَهَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا تَجِبُ إِعَادَتُهَا ، وَلِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :587 ... بـ :368]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا اخْتُلِفَ فِي الصَّعِيدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ هُنَا التُّرَابُ . وَقَالَ الْآخَرُونَ : هُوَ جَمِيعُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَأَمَّا الطَّيِّبُ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الطَّاهِرُ ، وَقِيلَ : الْحَلَالُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الصَّعِيدِ وَاجِبٌ . قَالُوا : فَلَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ تُرَابًا فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا . وَفِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا ) مَعْنَى أَوْشَكَ قَرُبَ وَأَسْرَعَ ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ أَوْشَكَ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُضَارِعًا فَيُقَالُ يُوشِكُ كَذَا ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ ، بَلْ يُقَالُ أَوْشَكَ أَيْضًا ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلِهِ . وَقَوْلُهُ : ( بَرَدَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : ( بَرُدَ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ كَذَا وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ : يَكْفِي ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ جَمِيعًا ، وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا صُورَةُ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى غَسْلَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ هُنَا هِيَ الْمُقَيَّدَةُ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ فَلَا يُتْرَكُ هَذَا الظَّاهِرُ إِلَّا بِصَرِيحٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : فَنَفَضَ يَدَهُ ، قَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ بِالْحِجَارَةِ ، وَمَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ ، قَالُوا : إِذْ لَوْ كَانَ الْغُبَارُ مُعْتَبَرًا لَمْ يَنْفُضِ الْيَدَ ، وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْضِ هُنَا تَخْفِيفُ الْغُبَارِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِذَا حَصَلَ عَلَى الْيَدِ غُبَارٌ كَثِيرٌ أَنْ يُخَفَّفَ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَعُمُّ الْعُضْوَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :588 ... بـ :368]
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً فَقَالَ لَا تُصَلِّ فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ قَالَ الْحَكَمُ وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ حَدِيثِ ذَرٍّ قَالَ وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ عَنْ ذَرٍّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ وَحَدَّثَنِي إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ ذَرًّا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ قَالَ الْحَكَمُ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ قَالَ عَمَّارٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شِئْتَ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ عَنْ ذَرٍّ

قَوْلُهُ : ( عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ يَاءٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ عُمَرُ : اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى يَا عَمَّارُ قَالَ : إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ ) مَعْنَاهُ قَالَ عُمَرُ لِعَمَّارٍ : اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيهِ وَتَثَبَّتْ ، فَلَعَلَّكَ نَسِيتَ ، أَوِ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ . وَأَمَّا قَوْلُ عَمَّارٍ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ فَمَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنْ رَأَيْتَ الْمَصْلَحَةَ فِي إِمْسَاكِي عَنِ التَّحْدِيثِ بِهِ رَاجِحَةً عَلَى مَصْلَحَةِ تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْتُ ، فَإِنَّ طَاعَتَكَ وَاجِبَةٌ عَلَيَّ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ ، وَأَصْلُ تَبْلِيغِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَأَدَاءِ الْعِلْمِ قَدْ حَصَلَ ، فَإِذَا أَمْسَكَ بَعْدَ هَذَا لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْمَ . وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِرُ فِي النَّاسِ ، بَلْ لَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا نَادِرًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي قِصَّةِ عَمَّارٍ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ عَمَّارًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَهَدَ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَصَحُّهَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَتِهِ وَفِي غَيْرِ حَضْرَتِهِ ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ بِحَالٍ ، وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ بِحَضْرَتِهِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :589 ... بـ :369]
قَالَ مُسْلِم وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ

قَوْلُهُ : ( وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مُنْقَطِعًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَاللَّيْثِ ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى مُعَلَّقًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَإِيضَاحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ ، وَذَكَرْنَا أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيثًا مُنْقَطِعَةً هَكَذَا وَبَيَّنَّاهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ هَذَا : ( أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَجَمِيعُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَسَانِيدِ مُسْلِمٍ : قَوْلُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَطَأٌ صَرِيحٌ ، وَصَوَابُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الصَّوَابِ ، فَقَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا صَحِيحَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَلَى الصَّوَابِ ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ عَبْدُ اللَّهِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ، وَعَطَاءٌ مَوْلَى مَيْمُونَةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ ) أَمَّا الصِّمَّةُ فَبِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ ، وَأَمَّا ( أَبُو الْجَهْمِ ) فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَصَوَابُهُ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ( أَبُو الْجُهَيْمِ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَسْمَاءِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَغَيْرُهُمَا . وَاسْمُ أَبِي الْجُهَيْمِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَا سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْكُنَى ، وَكَذَا سَمَّاهُ أَيْضًا غَيْرُهُ .

وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا الْجُهَيْمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ ، وَهُوَ غَيْرُ أَبِي الْجَهْمِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْخَمِيصَةِ وَالْأَنْبِجَانِيَّةِ ، ذَلِكَ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِغَيْرِ يَاءٍ ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَوْلُهُ : ( أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ ( بِئْرُ الْجَمَلِ ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ، ثُمَّ رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامَ - ) . هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَّسِعَ ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا . هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إِذَا خَافَ فَوْتَهُمَا . وَحَكَى الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوْتَ الْفَرِيضَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَضَاهَا ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِالْجِدَارِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ . وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ ، وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلنَّوَافِلِ وَالْفَضَائِلِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهَا ، كَمَا يَجُوزُ لِلْفَرَائِضِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا وَجْهًا شَاذًّا مُنْكَرًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا لِلْفَرِيضَةِ ، وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ بِشَيْءٍ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجِدَارَ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ يَعْرِفُهُ فَأَدَلَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَيَمَّمَ بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ مَالِكُهُ ذَلِكَ ، وَيَجُوزُ مِثْلَ هَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِآحَادِ النَّاسِ فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :590 ... بـ :370]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْحَالِ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِقَضَاءِ حَاجَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ . قَالُوا : وَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذْكَارِ . قَالُوا : فَلَا يُسَبِّحُ ، وَلَا يُهَلِّلُ ، وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ ، وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ ، وَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَطَسَ ، وَلَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ ، وَإِذَا عَطَسَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذِّكْرِ فِي حَالِ الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ، فَلَا إِثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوْضِعُ الضَّرُورَةِ ، كَمَا إِذَا رَأَى ضَرِيرًا يَكَادُ أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ ، أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْصِدُ إِنْسَانًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَسَعِيدٍ الْجُهَنِيِّ ، وَعِكْرِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَحُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا : لَا بَأْسَ بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .