فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة

قَوْله.

     وَقَالَ  طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْحَجِّ فِي بَابِ لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ .

     قَوْلُهُ  وقَال خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ إِلَخْ هُوَ طَرَفٌ أَيْضًا وَصَلَهُ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ فِي بَاب مَا قيل فِي الصواغ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الرِّبَاطِيُّ فِيمَا حَكَاهُ بن طَاهِرٍ وَالدَّارِمِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا روح هُوَ بن عبَادَة وزَكَرِيا هُوَ بن إِسْحَاقَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ سَالِمٍ كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ





[ قــ :2329 ... غــ :2434] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى هُوَ الْبَلْخِيُّ وَفِي الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ تَصْرِيحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُوَاتِهِ بِالتَّحْدِيثِ مَعَ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً مِنَ الْمُدَلِّسِينَ فِي نَسَقٍ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ وَقَعَتْ عَقِبَ الْفَتْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ عَقِبَ قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ هَذَا بَيَانُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ .

     قَوْلُهُ  الْقَتْلُ بِالْقَافِ وَالْمُثَنَّاةِ لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْفَاءِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ أَيْضًا فِي الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ أَيْ مُعَرِّفٍ وَأَمَّا الطَّالِبُ فَيُقَالُ لَهُ النَّاشِدُ تَقُولُ نَشَدْتُ الضَّالَّةَ إِذَا طَلَبْتَهَا وَأَنْشَدْتُهَا إِذَا عَرَّفْتَهَا وَأَصْلُ الْإِنْشَادِ وَالنَّشِيدِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالْمَعْنَى لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا فَقَطْ فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا فَلَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا عَدَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي الْحَجِّ إِلَّا قَوْلَهُ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأُحِيلُ بِهِ عَلَى كِتَابِ الدِّيَاتِ وَإِلَّا قَوْلَهُ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالْقَائِلُ.

قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّاوِي وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثَيِ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ لَا تُلْتَقَطُ لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلتَّعْرِيفِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِإِمْكَانِ إِيصَالِهَا إِلَى رَبِّهَا لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِلْمَكِّيِّ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْآفَاقِيِّ فَلَا يَخْلُو أُفُقٌ غَالِبًا مِنْ وَارِدٍ إِلَيْهَا فَإِذَا عَرَّفَهَا وَاجِدُهَا فِي كُلِّ عَامٍ سهل التَّوَصُّل إِلَى معرفَة صَاحبهَا قَالَه بن بَطَّالٍ.

     وَقَالَ  أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ مَكَّةُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْحَاجَّ يَرْجِعُ إِلَى بَلَدِهِ وَقَدْ لَا يَعُودُ فَاحْتَاجَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا إِلَى الْمُبَالغَة فِي التَّعْرِيف وَاحْتج بن الْمُنِيرِ لِمَذْهَبِهِ بِظَاهِرِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ نَفَى الْحِلَّ وَاسْتَثْنَى الْمُنْشِدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ لِلْمُنْشِدِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ قَالَ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْصِيصَ إِذَا وَافَقَ الْغَالِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ وَالْغَالِبُ أَن لقطَة مَكَّة ييأس مُلْتَقِطُهَا مِنْ صَاحِبِهَا وَصَاحِبُهَا مِنْ وِجْدَانِهَا لِتَفَرُّقِ الْخَلْقِ إِلَى الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ فَرُبَّمَا دَاخَلَ الْمُلْتَقِطَ الطَّمَعُ فِي تَمَلُّكِهَا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَلَا يُعَرِّفُهَا فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَفَارَقَتْ فِي ذَلِكَ لُقَطَةُ الْعَسْكَرِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ فَإِنَّهَا لَا تُعَرَّفُ فِي غَيْرِهِمْ بِاتِّفَاقٍ بِخِلَافِ لقطَة مَكَّة فيشرع تَعْرِيفهَا لَا مَكَان عَوْدِ أَهْلِ أُفُقِ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ إِلَى مَكَّةَ فَيَحْصُلُ مُتَوَصَّلٌ إِلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا.

     وَقَالَ  إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا لِمُنْشِدٍ أَيْ لِمَنْ سَمِعَ نَاشِدًا يَقُول من رأى لي كَذَا فيحنئذ يَجُوزُ لِوَاجِدِ اللُّقَطَةِ أَنْ يُعَرِّفَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ أَضْيَقُ مِنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِحَالَةٍ لِلْمُعَرِّفِ دُونَ حَالَةٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُنْشِدِ الطَّالِبُ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ تَسْمِيَةُ الطَّالِبِ مُنْشِدًا.

قُلْتُ وَيَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلَّا مُعَرِّفٌ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ النُّكْتَةُ فِي تصدير البُخَارِيّ الْبَاب بِحَدِيث بن عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا اللُّغَةُ فَقَدْ أَثْبَتَ الْحَرْبِيُّ جَوَازَ تَسْمِيَةِ الطَّالِبِ مُنْشِدًا وَحَكَاهُ عِيَاضٌ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لُقَطَةَ عَرَفَةَ وَالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ كَسَائِرِ الْبِلَادِ لِاخْتِصَاصِ مَكَّةَ بِذَلِكَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَجْهًا فِي عَرَفَةَ أَنَّهَا تَلْتَحِقُ بِحُكْمِ مَكَّةَ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْحَاجَّ كَمَكَّةَ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا وَلَيْسَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا أَصْلِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَعْرِيفِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَاللَّهُ أعلم