فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40]

قَوْله بَاب قَول الله تَعَالَى انما أمرنَا لشَيْء إِذا اردناه)
زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون وَنَقَصَ إِذَا أَرَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ عِيَاضٌ كَذَا وَقَعَ لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ وَالْقَابِسِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَصَوَابُ التِّلَاوَةِ إِنَّمَا قَوْلُنَا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُتَرْجِمَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كلمح بالبصر وَسَبَقَ الْقَلَمُ إِلَى هَذِهِ.

قُلْتُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِنَّمَا قَوْلنَا على وفْق التِّلَاوَة وَعَلَيْهَا شرح بن التِّينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ إِصْلَاحِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض قَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ حَدِيثُ عُبَادَةَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ اكْتُبْ الْحَدِيثَ قَالَ وَإِنَّمَا نَطَقَ الْقَلَمُ بِكَلَامِهِ لِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون قَالَ فَكَلَامُ اللَّهِ سَابِقٌ عَلَى أَوَّلِ خَلْقِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الْبُوَيْطِيَّ يَقُولُ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كُلَّهُ بِقَوْلِهِ كُنْ فَلَوْ كَانَ كُنْ مَخْلُوقًا لَكَانَ قد خلق الْخلق بمخلوق وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَقَولُهُ



[ قــ :7061 ... غــ :7459] فِيهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ وَالْغَرَضُ مِنْهُ وَمِنَ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِهِ عِنْدَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَام.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ السَّاعَةُ وَالصَّوَابُ أَمْرُ اللَّهِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ فَيَرْجِعُ إِلَى حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ رِوَايَةُ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَتَخْفِيفِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ عَنْ مُعَاذٍ وَهُمْ بِالشَّامِ وَذَكَرَ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ ذَلِكَ وَقَولُهُ





[ قــ :706 ... غــ :7460] فِيهِ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حِذَاهُمْ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ دَال مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ لَيِّنَةٌ قَالَ وَلَهَا وَجْهٌ يَعْنِي مَنْ جَاوَرَهُمْ مِمَّنْ لَا يُوَافِقُهُمْ قَالَ وَلَكِن الصَّوَاب بِفَتْح الخاءالمعجمة وباللام من الخذلان وبن جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ نُسِبَ لِجَدِّهِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي شَأْنِ مُسَيْلِمَةَ ذَكَرَ مِنْهُ طَرَفًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مَعَ شَرْحِهِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ





[ قــ :7063 ... غــ :7461] .

     قَوْلُهُ  وَلَنْ يَعْدُوَ أَمْرُ اللَّهِ فِيكَ أَيْ مَا قَدَّرَهُ عَلَيْكَ مِنَ الشَّقَاء أَو السَّعَادَة الحَدِيث الْخَامِس حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ وَقَولُهُ





[ قــ :7064 ... غــ :746] قل الرّوح من أَمر رَبِّي تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرُّوحَ قَدِيمَةٌ زَعْمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا الْأَمْرُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَهُوَ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ لمعان بتبين الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهَا مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَسَيَأْتِي فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْكَلَام واما الْأَمر فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ هَذَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَأْمُورُ كَمَا يُقَالُ الْخَلْقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَخْلُوقُ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَفِي تَفْسِيرِ السّديّ عَن أبي مَالك عَن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يَقُولُ هُوَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا هَلْ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحَيَاةُ أَوِ الرُّوحُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي بِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ عَمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالْوَحْيِ وَالرُّوحُ الَّتِي بِهَا الْحَيَاةُ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِخِلَافِ الرُّوحِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ بَلْ هِيَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِخِلَافِ الْأُولَى وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ لَفْظَ الرُّوحِ عَلَى الْوَحْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا من أمرنَا وَفِي قَوْلِهِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى من يَشَاء وَعَلَى الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ وَالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وأيدهم بِروح مِنْهُ وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَعَلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ رُوحِ بَنِي آدَمَ رُوحًا بَلْ سَمَّاهَا نَفْسًا فِي قَوْلِهِ النَّفْسُ الْمُطَمْئِنَةُ وَالنَّفْسُ الْأَمَارَةُ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسُ اللَّوَّامَةُ وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَتَمَسَّكَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ونفخت فِيهِ من روحي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَعَلَى مَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ فَ.

     قَوْلُهُ  رُوحُ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الثَّانِي وَهِيَ إِضَافَةُ تَخْصِيصٍ وَتَشْرِيفٍ وَهِيَ فَوْقَ الْإِضَافَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِيجَادِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ إِضَافَةُ إِيجَادٍ وَإِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَإِضَافَةُ صِفَةٍ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ رَبُّ كل شَيْء ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَولُهُ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلم تَكُ شَيْئا وَهَذَا الْخِطَابُ لِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعًا وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا وَقَوله تَعَالَى وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ خَلْقُنَا يَتَنَاوَلُ الْأَرْوَاحَ وَالْأَجْسَادَ مَعًا أَوِ الْأَرْوَاحَ فَقَطْ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ وَهُمْ أَرْوَاحٌ وَحَدِيثُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ وَالْجُنُودُ الْمُجَنَّدَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لَمَّا نَامُوا فِي الْوَادِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ قَطْعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ الْحَدِيثَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ وَقَولُهُ فِي آخِرِهِ وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا أُوتِيتُمْ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فِي بَقِيَّتِهِ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قراءتنا قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ بِأَمْرِهِ لَهُ وَأَنَّ أَمْرَهُ وَقَولُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنَّهُ يَقُولُ كُنْ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَاب وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ