فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها

( قَولُهُ بَابُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ وَفَضْلِهَا)
كَذَا فِي النُّسَخِ تَزْوِيجِ وَتَفْعِيلٌ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى تَفَعُّلٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَوْ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ تَزْوِيجُهُ مِنْ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  خَدِيجَةُ هِيَ أَوَّلُ مَنْ تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ تَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيٍّ وَهِيَ مِنْ أَقْرَبِ نِسَائِهِ إِلَيْهِ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قُصَيٍّ غَيْرَهَا إِلَّا أُمَّ حَبِيبَةَ وَتَزَوَّجَهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ مَوْلِدِهِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَبوهَا خويلد ذكره البهيقي من حَدِيث الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ من عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقِيلَ عَمُّهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ ذَكَرَهُ الْكَلْبِيُّ وَقِيلَ أَخُوهَا عَمْرُو بْنُ خويلد ذكره بن إِسْحَاقَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ بْنِ النَّبَّاشِ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي هَالَةَ فَقِيلَ مَالك قَالَه الزبير وَقيل زُرَارَة حَكَاهُ بن مَنْدَهْ وَقِيلَ هِنْدٌ جَزَمَ بِهِ الْعَسْكَرِيُّ وَقِيلَ اسْمُهُ النَّبَّاشُ جَزَمَ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُهُ هِنْدٌ رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ حَدَّثَنِي خَالِي لِأَنَّهُ أَخُو فَاطِمَةَ لِأُمِّهَا وَلِهِنْدٍ هَذَا وَلَدٌ اسْمُهُ هِنْدٌ ذَكَرَهُ الدُّولَابِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى قَوْلِ الْعَسْكَرِيِّ فَهُوَ مِمَّنِ اشْتَرَكَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فِي الِاسْمِ وَمَاتَ أَبُو هَالَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَهُ عِنْدَ عَتِيقِ بن عَائِد الْمَخْزُومِيِّ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ قَدْ سَافَرَ فِي مَالِهَا مُقَارِضًا إِلَى الشَّامِ فَرَأَى مِنْهُ مَيْسَرَةُ غُلَامُهَا مَا رَغَّبَهَا فِي تَزَوُّجِهِ قَالَ الزُّبَيْرُ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ وَمَاتَتْ عَلَى الصَّحِيحِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِعَشْرِ سِنِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيلَ بِثَمَانٍ وَقِيلَ بِسَبْعٍ فَأَقَامَتْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ على الصَّحِيح.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا يُؤَيِّدُ الصَّحِيحَ فِي أَنَّ مَوْتَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ عَلَى الصَّوَابِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ بَدْءِ الْوَحْيِ بَيَانُ تَصْدِيقِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَمِنْ ثَبَاتِهَا فِي الْأَمْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ يَقِينِهَا وَوُفُورِ عَقْلِهَا وَصِحَّةِ عَزْمِهَا لَا جَرَمَ كَانَتْ أَفْضَلَ نِسَائِهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ مَرْيَمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ فَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى خَدِيجَةَ فَأَذِنَ لَهُ وَبَعَثَ بَعْدَهُ جَارِيَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا نبعة فَقَالَ لَهَا انظري ماتقول لَهُ خَدِيجَةُ قَالَتْ نَبْعَةُ فَرَأَيْتُ عَجَبًا مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعَتْ بِهِ خَدِيجَةُ فَخَرَجَتْ إِلَى الْبَابِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَضَمَّتْهَا إِلَى صَدْرِهَا وَنَحْرِهَا ثُمَّ قَالَتْ بِأَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا أَفْعَلُ هَذَا لِشَيْءٍ وَلَكِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَنْتَ النَّبِيُّ الَّذِي سَتُبْعَثُ فَإِنْ تَكُنْ هُوَ فَاعْرِفْ حَقِّي وَمَنْزِلَتِي وَادْعُ الْإِلَهَ الَّذِي يَبْعَثُكَ لِي قَالَتْ فَقَالَ لَهَا وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتُ أَنَا هُوَ قَدِ اصْطَنَعْتِ عِنْدِي مَا لَا أُضَيِّعُهُ أَبَدًا وَإِنْ يَكُنْ غَيْرِي فَإِنَّ الْإِلَهَ الَّذِي تَصْنَعِينَ هَذَا لِأَجْلِهِ لَا يُضَيِّعُكِ أَبَدًا ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِمَا فِي التَّرْجَمَةِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ وَمِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْأولُ



[ قــ :3639 ... غــ :3815] .

     قَوْلُهُ  حَدثنِي مُحَمَّد هُوَ بن سَلام كَمَا جزم بِهِ بن السكن وَعَبدَة هُوَ بن سُلَيْمَانَ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ هُوَ بن أَبِي طَالِبٍ وَوَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ لِتَصْرِيحِ عَبْدَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِسَمَاعِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَوْله سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِالْكُوفَةِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُ هِشَامٍ عَلَى ذِكْرِ عَلِيٍّ فِيهِ وَقَصَرَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ احْمَد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لَكِنْ بِلَفْظٍ مُغَايِرٍ لِهَذَا اللَّفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَفِي الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَصَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمِّهِ .

     قَوْلُهُ  خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ لَكِنَّهُ يُفَسِّرُهُ الْحَالُ وَالْمُشَاهَدَةُ يَعْنِي بِهِ الدُّنْيَا.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ يَعُودُ عَلَى الْأُمَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا مَرْيَمُ وَالثَّانِي عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ وَلِهَذَا كَرَّرَ الْكَلَامَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا غَيْرُ حُكْمِ الْأُخْرَى.

قُلْتُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ نِسَاءُ الدُّنْيَا وَأَنَّ الضَّمِيرَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى الدُّنْيَا وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ أَرَادَ أَنَّهُمَا خَيْرُ مَنْ تَحْتَ السَّمَاءِ وَفَوْقَ الْأَرْضِ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ نِسَائِهَا لِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَعُودَ إِلَى السَّمَاءِ كَذَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ إِلَى السَّمَاءِ وَالثَّانِيَ إِلَى الْأَرْضِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ فِي حَيَاةِ خَدِيجَةَ وَتَكُونُ النُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَرْيَمَ مَاتَتْ فَعُرِجَ بِرُوحِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا ذَكَرَهَا أَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ إِذْ ذَاكَ فِي الْحَيَاةِ فَكَانَتْ فِي الْأَرْضِ فَلَمَّا ذَكَرَهَا أَشَارَ إِلَى الْأَرْضِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا خَيْرُ مَنْ صُعِدَ بِرُوحِهِنَّ إِلَى السَّمَاءِ وَخَيْرُ مَنْ دُفِنَ جَسَدُهُنَّ فِي الْأَرْضِ وَتَكُونُ الْإِشَارَةُ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَهُ خَيْرُ نِسَائِهَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالضَّمِيرُ لِمَرْيَمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَرْيَمُ خَيْرُ نِسَائِهَا أَيْ نِسَاءُ زَمَانِهَا وَكَذَا فِي خَدِيجَةَ وَقَدْ جَزَمَ كَثِيرٌ مِنَ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْمُرَادَ نِسَاءُ زَمَانِهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَذِكْرِ آسِيَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ وَآسِيَةُ فَقَدْ أَثْبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَمَالَ لِآسِيَةَ كَمَا أَثْبَتَهُ لِمَرْيَمَ فَامْتَنَعَ حَمْلُ الْخَيْرِيَّةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَاءَ مَا يُفَسِّرُ الْمُرَادَ صَرِيحًا فَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَفَعَهُ لَقَدْ فُضِّلَتْ خَدِيجَةُ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي كَمَا فُضِّلَتْ مَرْيَمُ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَهُوَ من حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ان خَدِيجَة أفضل من عَائِشَة قَالَ بن التِّينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَكُونَ عَائِشَةُ دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَ لَهَا عِنْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ كَذَا قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ النِّسَاءِ أَعَمُّ مِنَ الْبَوَالِغِ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْ أَعَمُّ مِمَّنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَمِمَّنْ سَتُوجَدُ وَقَدْ اخْرُج النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وَأخرجه الْحَاكِم من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَمَرْيَمُ واسية وَهَذَا نَص صَرِيح لايحتمل التَّأْوِيلَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرْبَعِ انها نبيه الا مَرْيَم وَقد اورد بن عبد الْبر من وَجه اخر عَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ثُمَّ فَاطِمَةُ ثُمَّ خَدِيجَةُ ثُمَّ آسِيَةُ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ قَالَ وَمَنْ قَالَ إِنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ أَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ بِأَنَّ مِنْ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ فَهِيَ مُرَادَةٌ.

قُلْتُ الْحَدِيثُ الثَّانِي الدَّالُّ عَلَى التَّرْتِيبِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ بِغَيْرِ صِيغَةِ تَرْتِيبٍ وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ لِتَسْوِيَتِهَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِخَدِيجَةَ وَلَيْسَتْ خَدِيجَةُ بِنَبِيَّةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّسْوِيَةِ فِي الْخَيْرِيَّةِ التَّسْوِيَةُ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قِيلَ فِي مَرْيَمَ فِي تَرْجَمَتِهَا مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :3640 ... غــ :3816] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَلَعَلَّ اللَّيْثَ لَقِيَ هِشَامًا بَعْدَ أَنْ كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ فَحَدَّثَهُ بِهِ أَوْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ إِطْلَاقُ حَدَّثَنَا فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ نَقَلَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ثُبُوتُ الْغَيْرَةِ وَأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وُقُوعُهَا مِنْ فَاضِلَاتِ النِّسَاءِ فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهُنَّ وَأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَغَارُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ كَانَتْ تَغَارُ مِنْ خَدِيجَةَ أَكْثَرَ وَقَدْ بَيَّنَتْ سَبَبَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ بِأَبْيَنَ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا وَأَصْلُ غَيْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ تُخَيَّلِ مَحَبَّةِ غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا وَكَثْرَةُ الذِّكْرِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَحَبَّةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مُرَادُهَا بِالذِّكْرِ لَهَا مَدْحُهَا وَالثَّنَاءُ عَلَيْهَا.

قُلْتُ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ هِشَامٍ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا فَعَطْفُ الثَّنَاءِ عَلَى الذِّكْرِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَهُوَ يَقْتَضِي حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى أَعَمَّ مِمَّا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ قَدْرَ الْمُدَّةِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهَا لَكَانَتْ غَيْرَتُهَا مِنْهَا أَشَدَّ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا إِلَخْ سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ هَذَا وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ خَدِيجَةَ بِهَذِهِ الْبُشْرَى مُشْعِرٌ بِمَزِيدِ مَحَبَّةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِلَفْظِ مَا حُسِدَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ مَا حُسِدَتْ خَدِيجَةُ حِينَ بَشَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ إِلَخْ إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَيُرَادُ بِهَا تَأْكِيدُ الْكَلَامِ وَلِهَذَا اتت بِالْأُمِّ فِي قَوْلِهَا لَيَذْبَحُ .

     قَوْلُهُ  فِي خَلَائِلِهَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَلِيلَةٍ أَيْ صَدِيقَةٌ وَهِيَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الْغَيْرَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِاسْتِمْرَارِ حُبِّهِ لَهَا حَتَّى كَانَ يَتَعَاهَدُ صَوَاحِبَاتِهَا .

     قَوْلُهُ  مِنْهَا أَيْ مِنَ الشَّاةِ .

     قَوْلُهُ  مَا يَسَعُهُنَّ أَيْ مَا يَكْفِيهِنَّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ مَا يَتَّسِعُهُنَّ أَيْ يَتَّسِعُ لَهُنَّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ يُشْبِعُهُنَّ مِنَ الشِّبَعِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ مَا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :3641 ... غــ :3817] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الرُّؤَاسِيُّ بِضَمِّ الرَّاءِ وَعَلَى الْوَاو همز وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُهْمَلَةٌ ثِقَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرُ فِي الْحُدُودِ .

     قَوْلُهُ  وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَرَادَتْ بِذَلِكَ زَمَنَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعَقْدُ فَتَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ بِمُدَّةِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَذَا قَالَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ تَزْوِيجِ عَائِشَةَ مَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَالدُّخُولِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْبِشَارَةَ بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَانَتْ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ





[ قــ :364 ... غــ :3818] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبِي هُوَ الْأَسَدِيُّ الَّذِي يُعْرَفُ بِالتَّلِّ بِالْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَاسْمُ وَالِدِ الْحَسَنِ الزُّبَيْرُ وَعُمَرُ كُوفِيٌّ مَالَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي الزَّكَاةِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِهِ وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ دَرَجَةً فَإِنَّهُ يَرْوِي الْكَثِيرَ عَنْ وَلَدِهِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ حَفْصٍ وَهُنَا لَمْ يَصِلْ لِحَفْصٍ إِلَّا بِاثْنَيْنِ وَبِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ دَرَجَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَأَخْرَجَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْهُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي ذَرٍّ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِيَارِهِ إِيرَادَ هَذِهِ الطَّرِيقَ النَّازِلَةَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا رَأَيْتُهَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ أُدْرِكْهَا وَلَمْ أَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إِلَّا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ نَعَمْ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ وَرُؤْيَةُ عَائِشَةَ لِخَدِيجَةَ كَانَتْ مُمْكِنَةً.
وَأَمَّا إِدْرَاكُهَا لَهَا فَلَا نِزَاعَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا عِنْدَ مَوْتِهَا سِتُّ سِنِينَ كَأَنَّهَا أَرَادَتْ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَالْإِدْرَاكِ النَّفْيَ بِقَيْدِ اجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَمْ أَرَهَا وَأَنَا عِنْدَهُ وَلَا أَدْرَكْتُهَا كَذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَسْأَمْ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا .

     قَوْلُهُ  فَرُبَّمَا قلت الخ هذاكله زَائِدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِدُونِهَا .

     قَوْلُهُ  كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَأَنْ لَمْ بِحَذْفِ الْهَاءِ مِنْ كَأَنَّهُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ أَيْ كَانَتْ فَاضِلَةً وَكَانَتْ عَاقِلَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ وَكَانَ جَمِيعُ أَوْلَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ أَوْلَادِهِ مِنْهَا الْقَاسِمُ وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَنَاتُهُ الْأَرْبَعُ زَيْنَبُ ثُمَّ رُقْيَةُ ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ ثُمَّ فَاطِمَةُ وَقِيلَ كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ أَصْغَرَ مِنْ فَاطِمَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ الطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ وَيُقَالُ هُمَا أَخَوَانِ لَهُ وَمَاتَتِ الذُّكُورُ صِغَارًا بِاتِّفَاقٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ هَذِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةُ فَقَالَ إِنِّي رُزِقْتُ حُبَّهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانَ حُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ كُلٌّ مِنْهَا كَانَ سَبَبًا فِي إِيجَادِ الْمَحَبَّةِ وَمِمَّا كَافَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ خَدِيجَةَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فِي حَيَاتِهَا غَيْرَهَا فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَهُ وَعَلَى مَزِيدِ فَضْلِهَا لِأَنَّهَا أَغْنَتْهُ عَنْ غَيْرِهَا وَاخْتَصَّتْ بِهِ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ غَيْرُهَا مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ عَامًا انْفَرَدَتْ خَدِيجَةُ مِنْهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا وَهِيَ نَحْوَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الْمَجْمُوعِ وَمَعَ طُولِ الْمُدَّةِ فَصَانَ قَلبهَا فِيهَا مِنَ الْغَيْرَةِ وَمِنْ نَكَدِ الضَّرَائِرِ الَّذِي رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ هُوَ مِنْهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَهِيَ فَضِيلَةٌ لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا وَمِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ سَبْقُهَا نِسَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى الْإِيمَانِ فَسَنَّتْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ آمَنَتْ بَعْدَهَا فَيَكُونُ لَهَا مِثْلُ أَجْرِهِنَّ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً وَقَدْ شَارَكَهَا فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرِّجَالِ وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الثَّوَابِ بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ وَحِفْظِ الْوُدِّ وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْمُعَاشِرِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَإِكْرَامِ مَعَارِفِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ





[ قــ :3643 ... غــ :3819] .

     قَوْلُهُ  عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ بن أَبِي خَالِدٍ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى إِلَخْ هَذَا مِمَّا حَمَلَهُ التَّابِعِيُّ عَنِ الصَّحَابِيِّ عَرَضًا وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّلْقِينِ لِأَنَّ التَّلْقِينَ لَا اسْتِفْهَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَقُولُ الطَّالِبُ لِلشَّيْخِ قُلْ حَدَّثَنَا فُلَانٌ بِكَذَا فَيُحَدِّثُ بِهِ من غير ان يكون عَارِفًا بِهِ حَدِيثه وَلَا بِعَدَالَةِ الطَّالِبِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الطَّالِبُ ضَابِطًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَدُلُّ عَلَى تَسَاهُلِ الشَّيْخِ فَلِذَلِكَ عَابُوهُ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ .

     قَوْلُهُ  بَشَّرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ اسْتِفْهَامُ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَشَّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ قَالَ نَعَمْ إِلَخْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى حَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ قَالَ قَالَ بَشِّرُوا خَدِيجَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ هَكَذَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  مِنْ قَصَبٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحدَة قَالَ بن التِّينِ الْمُرَادُ بِهِ لُؤْلُؤَةٌ مُجَوَّفَةٌ وَاسِعَةٌ كَالْقَصْرِ الْمَنِيفِ.

قُلْتُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ بن أَبِي أَوْفَى يَعْنِي قَصَبَ اللُّؤْلُؤِ وَعِنْدَهُ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْتٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَعِنْدَهُ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ قَالَتْ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِّي خَدِيجَةُ قَالَ فِي بَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ.

قُلْتُ أَمِنْ هَذَا الْقَصَبِ قَالَ لَا مِنَ الْقَصَبِ الْمَنْظُومِ بِالدُّرِّ وَاللُّؤْلُؤِ والياقوت قَالَ السُّهيْلي النُّكْتَة قي قَوْلِهِ مِنْ قَصَبٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَنَّ فِي لَفْظِ الْقَصَبِ مُنَاسَبَةً لِكَوْنِهَا أَحْرَزَتْ قَصَبَ السَّبْقِ بِمُبَادَرَتِهَا إِلَى الْإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهَا وَلذَا وَقعت هَذِه الْمُنَاسبَة فِي جَمِيع أَلْفَاظ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَفِي الْقَصَبِ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ اسْتِوَاءِ أَكْثَرِ أَنَابِيبِهِ وَكَذَا كَانَ لِخَدِيجَةَ مِنَ الِاسْتِوَاءِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا إِذْ كَانَتْ حَرِيصَةً عَلَى رِضَاهُ بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا مَا يُغْضِبُهُ قَطُّ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهَا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بِبَيْتٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ فِي فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ الْمُرَادُ بِهِ بَيْتٌ زَائِدٌ عَلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهَا مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهَا وَلِهَذَا قَالَ لَا نَصَبَ فِيهِ أَيْ لَمْ تَتْعَبْ بِسَبَبِهِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ لِذِكْرِ الْبَيْتِ مَعْنًى لَطِيفٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ قَبْلَ الْمَبْعَثِ ثُمَّ صَارَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ مُنْفَرِدَةً بِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتُ إِسْلَامٍ إِلَّا بَيْتُهَا وَهِيَ فَضِيلَةٌ مَا شَارَكَهَا فِيهَا أَيْضًا غَيْرُهَا قَالَ وَجَزَاءُ الْفِعْلِ يُذْكَرُ غَالِبًا بِلَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ فَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِ الْبَيْتِ دُونَ لَفْظِ الْقَصْرِ انْتَهَى وَفِي ذِكْرِ الْبَيْتِ مَعْنًى آخَرُ لِأَنَّ مَرْجِعَ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا لِمَا ثَبَتَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَمَّا نَزَلَتْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ أَهْلِ الْبَيْتِ هَؤُلَاءِ إِلَى خَدِيجَةَ لِأَنَّ الْحَسَنَيْنِ مِنْ فَاطِمَةَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُهَا وَعَلِيٌّ نَشَأَ فِي بَيْتِ خَدِيجَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا بَعْدَهَا فَظَهَرَ رُجُوعُ أَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ إِلَى خَدِيجَةَ دُونَ غَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ الصَّخَبُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الصِّيَاحُ وَالْمُنَازَعَةُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَالنَّصَبُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ بَعْدُهَا مُوَحَّدَةٌ التَّعَبُ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ الصَّخَبُ الْعَيْبُ وَالنَّصَبُ الْعِوَجُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ اللُّغَةُ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ مُنَاسَبَةُ نَفْيِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ أَعْنِي الْمُنَازَعَةَ وَالتَّعَبَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا إِلَى الْإِسْلَامِ أَجَابَتْ خَدِيجَةُ طَوْعًا فَلَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى رَفْعِ صَوْتٍ وَلَا مُنَازَعَةٍ وَلَا تَعَبٍ فِي ذَلِكَ بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلَّ نَصَبٍ وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ وَهَوَّنَتْ عَلَيْهِ كُلَّ عَسِيرٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهَا الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ رَبُّهَا بِالصِّفَةِ الْمُقَابِلَةِ لِفِعْلِهَا الْحَدِيثُ السَّادِسُ





[ قــ :3644 ... غــ :380] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عمَارَة هُوَ بن الْقَعْقَاعِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَن بن نمير عَن بن فُضَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  أَتَى جِبْرِيلُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهُوَ بِحِرَاءَ .

     قَوْلُهُ  هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَدْ أَتَتْكَ وَمَعْنَاهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيْكَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  ثَانِيًا فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَمَعْنَاهُ وَصَلَتْ إِلَيْكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ وَشَرَابٌ وَفِي رِوَايَة سعيد بن كثير الْمَذْكُور عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ حَيْسًا .

     قَوْلُهُ  فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَتْ هُوَ السَّلَامُ وَمِنْهُ وَالسَّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ وِلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يقرىء خَدِيجَةَ السَّلَامَ يَعْنِي فَأَخْبِرْهَا فَقَالَتْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ وَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ زَادَ بن السُّنِّيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَعَلَى مَنْ سَمِعَ السَّلَامُ إِلَّا الشَّيْطَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَهِ الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى وُفُورِ فِقْهِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  إِنَّ اللَّهَ هُو السَّلَامُ فَقُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ فَعَرَفَتْ خَدِيجَةُ لِصِحَّةِ فَهْمِهَا أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا يُرَدُّ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَهُوَ أَيْضا دُعَاء بالسلامة وكلاها لَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَدَّ بِهِ عَلَى اللَّهِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ كَيْفَ أَقُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالسَّلَامُ اسْمُهُ وَمِنْهُ يُطْلَبُ وَمِنْهُ يَحْصُلُ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ إِلَّا الثَّنَاءُ عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ مَكَانَ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ غَايَرَتْ بَيْنَ مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ وَمَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ فَقَالَتْ وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَتْ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ السَّلَامَ وَعَلَى مَنْ بَلَّغَهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ جَوَابِهَا فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالتَّخْصِيصِ وَمَرَّةً بِالتَّعْمِيمِ ثُمَّ أَخْرَجَتِ الشَّيْطَانَ مِمَّنْ سَمِعَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ بِذَلِكَ قِيلَ إِنَّمَا بَلَّغَهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا بِوَاسِطَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتِرَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ وَقَعَ لَهُ لَمَّا سَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ لَمْ يُوَاجِهْهَا بِالسَّلَامِ بَلْ رَاسَلَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَاجَهَ مَرْيَمَ بِالْخِطَابِ فَقِيلَ لِأَنَّهَا نَبِيَّةٌ وَقِيلَ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا زَوْجٌ يُحْتَرَمُ مَعَهُ مُخَاطَبَتُهَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنِ دَاوُدَ عَلَى أَنَّ خَدِيجَةَ أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ لِأَنَّ عَائِشَةَ سَلَّمَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَخَدِيجَةُ أَبْلَغَهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَزعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ خَدِيجَةَ أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ قَدِيمًا وَإِنْ كَانَ الرَّاجِحُ أَفْضَلِيَّةَ خَدِيجَةَ بِهَذَا وَبِمَا تَقَدَّمَ.

قُلْتُ وَمِنْ صَرِيحِ مَا جَاءَ فِي تَفْضِيلِ خَدِيجَةَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ كَمَا تَقَدَّمَ لِعَائِشَةَ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَا يُحْصَى وَلَكِنَّ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ ثُمَّ خَدِيجَةَ ثُمَّ عَائِشَةَ وَاسْتَدَلَّ لِفَضْلِ فَاطِمَةَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَتِهَا أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ أَوْلَى وَأَنْ لَا نُفَضِّلَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَسُئِلَ السُّبْكِيُّ هَلْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ أَحَدًا مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَة فَقَالَ قَالَ بِهِ من لايعتد بِقَوْلِهِ وَهُوَ مِنْ فَضْلِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُنَّ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ وَهُوَ قَوْلٌ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ انْتَهَى وَقَائِلُهُ هُوَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ مُتَسَاوِيَاتٌ فِي الْفَضْلِ وَهُنَّ أَفْضَلُ النِّسَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ان اتقيتن الْآيَةَ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ قِيلَ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ كَمَرْيَمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يُونُسَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا وَقَعَ لَهَا نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِخَدِيجَةَ مِنَ السَّلَامِ وَالْجَوَابِ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الحَدِيث السَّابِع





[ قــ :3645 ... غــ :381] .

     قَوْلُهُ  وقَال إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي اتَّصَلَتْ إِلَيْنَا بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ لَكِنَّ صَنِيعَ الْمِزِّيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَوْصُولًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ .

     قَوْلُهُ  اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ هِيَ أُخْتُ خَدِيجَةَ وَكَانَتْ زَوْجَ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَالِدِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَوْجِ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرُوهَا فِي الصَّحَابَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّ دُخُولَهَا كَانَ بِهَا أَيْ بِالْمَدِينَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حَيْثُ كَانَتْ عَائِشَةُ مَعَهُ فِي بَعْضِ سَفَرَاتِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَغْفِرِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بِهَذَا السَّنَدِ قَدِمَ بن لِخَدِيجَةَ يُقَالُ لَهُ هَالَةُ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَائِلَتِهِ كَلَامَ هَالَةَ فَانْتَبَهَ.

     وَقَالَ  هَالَةُ هَالَةُ قَالَ الْمُسْتَغْفِرِيُّ الصَّوَابُ هَالَةُ أُخْتُ خَدِيجَةَ انْتَهَى وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ تَمِيمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ هَالَةَ عَنْ أَبِي هَالَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاقِدٌ فَاسْتَيْقَظَ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ.

     وَقَالَ  هَالة هَالة وَذكر بن حبَان وبن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّحَابَةِ هَالَةَ بْنَ أَبِي هَالة التَّمِيمِي فَلَعَلَّهُ كَانَ لِخَدِيجَة أَيْضا بن اسْمُهُ هَالَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ أَيْ صِفَتَهُ لِشَبَهِ صَوْتِهَا بِصَوْتِ أُخْتِهَا فَتَذَكَّرَ خَدِيجَةَ بِذَلِكَ وَقَولُهُ ارْتَاعَ مِنَ الرَّوْعِ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ فَزِعَ وَالْمُرَادُ مِنَ الْفَزَعِ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّغَيُّرُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ارْتَاحَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ اهْتَزَّ لِذَلِكَ سُرُورًا وَقَولُهُ اللَّهُمَّ هَالَةَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ اجْعَلْهَا هَالَةَ فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ هَالَةُ وَعَلَى هَذَا هُوَ مَرْفُوعٌ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ مَحْبُوبَاتِهِ وَمَا يُشْبِهُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ بِالْجَرِّ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ يَجُوزُ فِي حَمْرَاءَ الرَّفْعُ عَلَى الْقَطْعِ وَالنَّصْبُ عَلَى الصِّفَةِ أَوِ الْحَالِ ثُمَّ الْمَوْجُودُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَفِي مُسْلِمٍ حَمْرَاء بالمهملتين وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَعْنًى وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ مَعْنَى حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ بَيْضَاءُ الشَّدْقَيْنِ وَالْعرب تطلق على الْأَبْيَض الْأَحْمَر كرهة اسْمِ الْبَيَاضِ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الْبَرَصَ وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لعَائِشَة ياحميراء ثُمَّ اسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا لِكَوْنِ عَائِشَةَ أَوْرَدَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَوْرِدَ التَّنْقِيصِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ لَنَصَّتْ عَلَى الْبَيَاضِ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي مُرَادِهَا قَالَ وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ نِسْبَتُهَا إِلَى كِبَرِ السِّنِّ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ مَعَ قُوَّةٍ فِي بَدَنِهِ يَغْلِبُ عَلَى لَوْنِهِ غَالِبًا الْحُمْرَةُ الْمَائِلَةُ إِلَى السُّمْرَةِ كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّدْقَيْنِ مَا فِي بَاطِنِ الْفَمِ فَكَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ سُقُوطِ أَسْنَانِهَا حَتَّى لَا يَبْقَى دَاخِلَ فَمِهَا إِلَّا اللَّحْمُ الْأَحْمَرُ مِنَ اللِّثَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَ بن التِّينِ فِي سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ دَلِيلٍ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ عَائِشَةَ عَلَى خَدِيجَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ هُنَا حُسْنَ الصُّورَةِ وَصِغَرَ السِّنِّ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يُنْقَلْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهَا عَدَمُ ذَلِكَ بَلِ الْوَاقِعُ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ رَدٌّ لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِكَبِيرَةِ السِّنِّ حَدِيثَةَ السِّنِّ فَغَضِبَ حَتَّى.

قُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إِلَّا بِخَيْرٍ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَأَوَّلَهُ بن التِّينِ فِي الْخَيْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ الْحَدِيثَ قَالَ عِيَاضٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْغَيْرَةُ مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ مَا يَقَعُ فِيهَا وَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْهَا وَلِهَذَا لَمْ يَزْجُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا وَأَوَّلِ شَبِيبَتِهَا فَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ.

قُلْتُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَظَرٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا تَدُلُّ قِصَّةُ عَائِشَةَ هَذِهِ عَلَى ان الغيرى لاتؤاخذ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهَا لِأَنَّ الْغَيْرَةَ هُنَا جُزْءُ سَبَبٍ وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ اجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ الْغَيْرَةُ وَصِغَرُ السِّنِّ وَالْإِدْلَالُ قَالَ فَإِحَالَةُ الصَّفْحِ عَنْهَا عَلَى الْغَيْرَةِ وَحْدَهَا تَحَكُّمٌ نَعَمُ الْحَامِلُ لَهَا عَلَى مَا قَالَتِ الْغَيْرَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي نَصَّتْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا فَغِرْتُ.
وَأَمَّا الصَّفْحُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْغَيْرَةِ وَحْدَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنَ الشَّبَابِ وَالْإِدْلَالِ.

قُلْتُ الْغَيْرَةُ مُحَقَّقَةٌ بِتَنْصِيصِهَا وَالشَّبَابُ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ زَمَنِ الْبُلُوغِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَقَعَ فِي أَوَائِلِ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ.
وَأَمَّا إِدْلَالُ الْمَحَبَّةِ فَلَيْسَ مُوجِبًا لِلصَّفْحِ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْغَيْرَةِ فَإِنَّمَا يَقَعُ الصَّفْحُ بِهَا لِأَنَّ مَنْ يَحْصُلُ لَهَا الْغَيْرَةُ لَا تَكُونُ فِي كَمَالِ عَقْلِهَا فَلِهَذَا تصدر مِنْهَا أُمُور لاتصدر مِنْهَا فِي حَالِ عَدَمِ الْغَيْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ