فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] «

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعنا)
أَيْ نَاصِرُنَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِن الله مَعنا أَيْ نَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا .

     قَوْلُهُ  السَّكِينَةُ فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا



[ قــ :4409 ... غــ :4664] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي جَمِيعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِلَّا الطَّرِيقَ الْأَخِيرَ وَفِي شُيُوخِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَلَكِنْ حَيْثُ يُطْلَقُ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجُعْفِيُّ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَإِكْثَارِهِ عَنْهُ وَحَبَّانُ بِفَتْحِ أَوله ثمَّ الْمُوَحدَة الثَّقِيلَة هُوَ بن هِلَالٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ  حِينَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَين بن الزبير أَي بِسَبَب الْبيعَة وَذَلِكَ أَن بن الزُّبَيْرِ حِينَ مَاتَ مُعَاوِيَةُ امْتَنَعَ مِنَ الْبَيْعَةِ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أغرى يزِيد بن مُعَاوِيَة مُسلم بن عقبَة بِالْمَدِينَةِ فَكَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ ثُمَّ تَوَجَّهَ الْجَيْشُ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ أَمِيرُهُمْ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ وَقَامَ بِأَمْر الْجَيْش الشَّامي حُصَيْن بن نمير فحصر بن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَرَمَوُا الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ حَتَّى احْتَرَقَتْ فَفَجَأَهُمُ الْخَبَرُ بِمَوْتِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعُوا إِلَى الشَّام وَقَامَ بن الزُّبَيْرِ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ فَبُويِعَ بِالْخِلَافَةِ وَأَطَاعَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ثُمَّ غَلَبَ مَرْوَانُ عَلَى الشَّامِ وَقُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قيس الْأَمِير من قبل بن الزُّبَيْرِ بِمَرْجِ رَاهِطٍ وَمَضَى مَرْوَانُ إِلَى مِصْرَ وَغَلَبَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَكَمَّلَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ ثُمَّ مَاتَ مَرْوَانُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُهُ مَقَامَهُ وَغَلَبَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَلَى الْكُوفَةِ فَفَرَّ مِنْهُ من كَانَ من قبل بن الزُّبَيْرِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ مُقِيمَيْنِ بِمَكَّةَ مُنْذُ قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَدَعَاهُمَا بن الزبير إلىالبيعة لَهُ فَامْتَنَعَا.

     وَقَالَ ا لَا نُبَايِعُ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ وَتَبِعَهُمَا جَمَاعَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَشدد عَلَيْهِم بن الزُّبَيْرِ وَحَصَرَهُمْ فَبَلَغَ الْمُخْتَارَ فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فأخرجوهما واستأذنوهما فِي قتال بن الزُّبَيْرِ فَامْتَنَعَا وَخَرَجَا إِلَى الطَّائِفِ فَأَقَامَا بِهَا حَتَّى مَاتَ بن عَبَّاس سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ورحل بن الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَهُ إِلَى جِهَةِ رَضْوَى جَبَلِ بِيَنْبُعَ فَأَقَامَ هُنَاكَ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ الشَّامِ فَتَوَجَّهَ إِلَى نَحْوِ أَيْلَةَ فَمَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلَاثٍ أَوْ أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَذَلِكَ عقب قتل بن الزُّبَيْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ عَاشَ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِينَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَزَعَمَتِ الْكَيْسَانِيَّةُ أَنَّهُ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلِكَ الْأَرْضَ فِي خُرَافَاتٍ لَهُمْ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا وَإِنَّمَا لَخَّصْتُ مَا ذكرته من طَبَقَات بن سَعْدٍ وَتَارِيخِ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِ بن أبي مليكَة حِين وَقع بَينه وَبَين بن الزُّبَيْرِ وَلِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى فَغَدَوْتُ عَلَى بن عَبَّاس فَقلت أَتُرِيدُ أَن تقَاتل بن الزبير وَقَول بن عَبَّاسٍ قَالَ النَّاسُ بَايِعْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنْهُ أَيْ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ لِمَا لَهُ مِنَ الْمَنَاقِبِ الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنِ أمتنع بن عَبَّاسٍ مِنَ الْمُبَايَعَةِ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ بن عَبَّاس وبن الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ سَكَنَا مَكَّةَ وَطَلَبَ مِنْهُمَا بن الزُّبَيْرِ الْبَيْعَةَ فَأَبَيَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ فَضَيَّقَ عَلَيْهِمَا فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَى الْعِرَاقِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا جَيْشٌ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَوَجَدُوهُمَا مَحْصُورَيْنِ وَقَدْ أُحْضِرَ الْحَطَبُ فَجُعِلَ عَلَى الْبَابِ يخوفهما بذلك فأخرجوهما إِلَى الطَّائِف وَذكر بن سعد أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت بَين بن الزبير وبن عَبَّاسٍ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ .

     قَوْلُهُ  وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ أَيْ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقَولُهُ وجدته صَفِيَّة أَي بنت عبد الْمطلب وَقَولُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ.
وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ خَدِيجَةَ أَطْلَقَ عَلَيْهَا عَمَّتَهُ تَجَوُّزًا وَإِنَّمَا هِيَ عَمَّةُ أَبِيه لِأَنَّهَا خَدِيجَة بنت خويلد أَي بن أَسد وَالزُّبَيْر هُوَ بن الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَكَذَا تَجَوَّزَ فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة حَيْثُ قَالَ بن أبي بكر وَإِنَّمَا هُوَ بن بنته وَحَيْثُ قَالَ بن أخي خَدِيجَة وَإِنَّمَا هُوَ بن بن أَخِيهَا الْعَوَّامِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ إِسْنَادَهُ بِالنَّصْبِ أَيِ اذْكُرْ إِسْنَادَهُ أَوْ بِالرَّفْعِ أَيْ مَا إِسْنَادُهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا فَشَغَلَهُ إِنْسَانٌ وَلَمْ يَقُلِ بن جُرَيْجٍ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ بِالتَّحْدِيثِ لَكِن لما لم يقل بن جُرَيْجٍ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَاحْتَمَلَ عَدَمَ الْوَاسِطَةِ وَلِذَلِكَ اسْتَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ بِإِخْرَاجِ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن جُرَيْجٍ ثُمَّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شَيْخِهِ قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة حجاج هُوَ بن مُحَمَّد المصِّيصِي قَوْله قَالَ بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ كَذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ اخْتِصَارًا وَمرَاده بن عَبَّاس وبن الزُّبَيْرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى حَيْثُ قَالَ قَالَ بن عَبَّاس حِين وَقع بَينه وَبَين بن الزُّبَيْرِ .

     قَوْلُهُ  فَتَحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ مِنَ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ .

     قَوْلُهُ  كَتَبَ أَيْ قَدَّرَ .

     قَوْلُهُ  مُحِلِّينَ أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُبِيحُونَ الْقِتَال فِي الْحرم وَإِنَّمَا نسب بن الزُّبَيْرِ إِلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ هُمُ الَّذِينَ ابْتَدَءُوهُ بِالْقِتَالِ وَحَصَرُوهُ وَإِنَّمَا بَدَأَ مِنْهُ أَوَّلًا دَفْعُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُمُ اللَّهُ عَنْهُ حَصَرَ بَنِي هَاشِمٍ لِيُبَايِعُوهُ فَشَرَعَ فِيمَا يُؤْذِنُ بِإِبَاحَتِهِ الْقِتَالَ فِي الْحرم وَكَانَ بعض النَّاس يُسمى بن الزُّبَيْرِ الْمُحِلُّ لِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ يَتَغَزَّلُ فِي أُخْتِهِ رَمْلَةَ أَلَا مَنْ لِقَلْبِ مَعْنَى غَزَلٍ بِحُبِّ الْمُحِلَّةِ أُخْتِ الْمُحِلّ وَقَولُهُ لَا أُحِلُّهُ أَبَدًا أَيْ لَا أُبِيحُ الْقِتَالَ فِيهِ وَهَذَا مَذْهَب بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ قُوتِلَ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَالَ النَّاسُ الْقَائِلُ هُوَ بن عَبَّاس وناقل ذَلِك عَنهُ بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ مَنْ كَانَ من جِهَة بن الزُّبَيْرِ وَقَولُهُ بَايِعْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَولُهُ وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمْرِ أَيِ الْخِلَافَةِ أَيْ لَيْسَتْ بَعِيدَةً عَنْهُ لِمَا لَهُ مِنَ الشَّرَفِ بِأَسْلَافِهِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ثُمَّ صِفَتِهِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ عَفِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ وَفِي رِوَايَةِ بن قُتَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَوَانَةَ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْأَعْمَش قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ بَايِعْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ أَيْن الْمَذْهَب عَن بن الزُّبَيْرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَة بن أَبِي بَكْرٍ فِي تَفْسِيرِ الْحُجُرَاتِ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ أَيْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ رَبُّونِي بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ مِنَ التَّرْبِيَةِ .

     قَوْلُهُ  رَبُّونِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ رَبَّنِي بِالْإِفْرَادِ وَقَولُهُ أَكْفَاءٌ أَيْ أَمْثَالٌ وَاحِدُهَا كُفْءٌ وَقَولُهُ كِرَامٌ أَيْ فِي أحسابهم وَظَاهر هَذَا أَن مُرَاد بن عَبَّاس بالمذكورين بَنو أَسد رَهْط بن الزُّبَيْرِ وَكَلَامُ أَبِي مِخْنَفٍ الْأَخْبَارِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مِنْ طَرِيق أُخْرَى أَن بن عَبَّاسٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِالطَّائِفِ جَمَعَ بَنِيهِ فَقَالَ يَا بني إِن بن الزُّبَيْرِ لَمَّا خَرَجَ بِمَكَّةَ شَدَدْتُ أَزْرَهُ وَدَعَوْتُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ وَتَرَكْتُ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ الَّذِينَ إِنْ قَبِلُونَا قَبِلُونَا أَكْفَاءً وَإِنْ رَبُّونَا رَبُّونَا كِرَامًا فَلَمَّا أَصَابَ مَا أَصَابَ جَفَانِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا بُد لِأَن يربنى بَنو عمي أحب إِلَى من أَن يربنِي غَيرهم فَإِن بني عَمه هُمْ بَنُو أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لأَنهم من بني عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف فعبد الْمطلب جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمطلب بن عَمِّ أُمَيَّةَ جَدِّ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكَانَ هَاشِمٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ شَقِيقَيْنِ قَالَ الشَّاعِرُ عَبْدُ شَمْسٍ كَانَ يَتْلُو هَاشِمًا وهما بعد لأم ولأب وأصرح مِنْ ذَلِكَ مَا فِي خَبَرِ أَبِي مِخْنَفٍ فَإِن فِي آخِره أَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لِبَنِيهِ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَالْحَقُوا بِبَنِي عَمِّكُمْ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ رَأَيْتُ بَيَانَ ذَلِكَ وَاضحا فِيمَا أخرجه بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الْإِسْلَامِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ وَتَرَكْتُ بَنِي عَمِّي إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي عَنْ قَرِيبٍ أَيْ أَذْعَنْتُ لَهُ وَتَرَكْتُ بَنِي عَمِّي فَآثَرَ عَلَى غَيْرِي وَبِهَذَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ بن قُتَيْبَة الْمَذْكُورَة أَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لِابْنِهِ عَلِيٍّ الْحَقْ بِابْنِ عَمِّكِ فَإِنَّ أَنْفَكَ مِنْكَ وَإِنْ كَانَ أَجْدَعٌ فَلَحِقَ عَلِيٌّ بِعَبْدِ الْمَلِكِ فَكَانَ آثَرَ النَّاسِ عِنْدَهُ .

     قَوْلُهُ  فَآثَرَ عَلِيًّ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنَ الْأَثَرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَيْنَ بِتَحْتَانِيَّةِ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَهُوَ تَصْحِيف وَفِي رِوَايَة بن قُتَيْبَةَ الْمَذْكُورَةِ فَشَدَدْتُ عَلَى عَضُدِهِ فَآثَرَ عَلِيًّ فَلَمْ أَرْضَ بِالْهَوَانِ .

     قَوْلُهُ  التُّوَيْتَاتِ وَالْأُسَامَاتِ وَالْحُمَيْدَاتِ يُرِيد أبطنا مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَمَّا التُّوَيْتَاتُ فَنِسْبَةٌ إِلَى بَنِي تُوَيْتِ بْنِ أَسَدٍ وَيُقَالُ تُوَيْتُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ.
وَأَمَّا الْأُسَامَاتُ فَنِسْبَةٌ إِلَى بَنِي أُسَامَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى.
وَأَمَّا الْحُمَيْدَاتُ فَنِسْبَةٌ إِلَى بَنِي حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَ الْفَاكِهِيُّ حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ فِي آخَرِينَ أَنَّ زُهَيْرَ بْنَ الْحَارِثِ دُفِنَ فِي الْحِجْرِ قَالَ وَحَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ قَالَ كَانَ حُمَيْدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بِمَكَّةَ بَيْتًا مُرَبَّعًا وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَكْرَهُ ذَلِكَ لِمُضَاهَاةِ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا بَنَى حُمَيْدٌ بَيْتَهُ قَالَ قَائِلِهِمْ الْيَوْمُ يُبْنَى لِحُمَيْدٍ بَيْتَهُ إِمَّا حَيَاتَهُ وَإِمَّا مَوْتَهُ فَلَمَّا لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأَبْطُنُ مَعَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسد جد بن الزبير قَالَ الْأَزْرَقِيّ كَانَ بن الزُّبَيْرِ إِذَا دَعَا النَّاسَ فِي الْإِذْنِ بَدَأَ بِبَنِي أَسَدٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ شمس وَغَيرهم فَهَذَا معنى قَول بن عَبَّاسٍ فَآثَرَ عَلَى التُّوَيْتَاتِ إِلَخْ قَالَ فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَدَّمَ بَنِي عبد شمس ثمَّ بني هَاشم وَبني الْمطلب وَبَنِي نَوْفَلٍ ثُمَّ أَعْطَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَبْلَ بَنِي أَسَدٍ.

     وَقَالَ  لَأُقَدِّمَنَّ عَلَيْهِمْ أَبْعَدَ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ مُبَالغَة مِنْهُ فِي مُخَالفَة بن الزبير وَجمع بن عَبَّاسٍ الْبُطُونَ الْمَذْكُورَةَ جَمْعَ الْقِلَّةِ تَحْقِيرًا لَهُمْ .

     قَوْلُهُ  يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ تُوَيْتٍ كَذَا وَقَعَ وَصَوَابُهُ يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي تُوَيْتِ بْنِ أَسَدٍ إِلَخْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ عَلَى الصَّوَابِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ الْمَذْكُورَةِ أَفْخَاذًا صِغَارًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَهَذَا صَوَابٌ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ بن أبي الْعَاصِ يَعْنِي عبد الْملك بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ .

     قَوْلُهُ  بَرَزَ أَيْ ظَهَرَ .

     قَوْلُهُ  يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَقَدْ تُضَمُّ أَيْضًا وَقَدْ تُسَكَّنُ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهَا التَّبَخْتُرُ وَهُوَ مَثَلُ يُرِيدُ أَنه برز يطْلب معالى الْأُمُور قَالَ بن الْأَثِيرِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ الْقُدَمِيَّةُ وَهِيَ التَّقَدُّمَةُ فِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ وَالَّذِي فِي كُتُبِ الْغَرِيبِ الْيَقْدَمِيَّةُ بِزِيَادَةِ تَحْتَانِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ وَمَعْنَاهَا التَّقَدُّمَةُ فِي الشَّرَفِ وَقِيلَ التَّقَدُّمُ بِالْهِمَّةِ وَالْفِعْلِ.

قُلْتُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ مِثْلُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيح قَوْله وَأَنه لوى ذَنبه يَعْنِي بن الزُّبَيْرِ لَوَّى بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِتَخْفِيفِهَا أَيْ ثَنَاهُ وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ تَأَخُّرِهِ وَتَخَلُّفِهِ عَنْ مَعَالِي الْأُمُورِ وَقِيلَ كَنَّى بِهِ عَنِ الْجُبْنِ وَإِيثَارِ الدَّعَةِ كَمَا تَفْعَلُ السِّبَاعُ إِذَا أَرَادَتِ النَّوْمَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الشَّاعِرُ مَشَى بن الزُّبَيْرِ الْقَهْقَرَى وَتَقَدَّمَتْ أُمَيَّةُ حَتَّى أَحْرَزُوا الْقَصَبَاتِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ وَقَفَ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ وَلم يتَأَخَّر وَلَا وضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا فأدنى الناصح وأقصى الْكَاشِح.

     وَقَالَ  بن التِّينِ مَعْنَى لَوَّى ذَنَبَهُ لَمْ يَتِمُّ لَهُ مَا أَرَادَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ الْمَذْكُورَةِ وَأَن بن الزُّبَيْرِ يَمْشِي الْقَهْقَرَى وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ بن عَبَّاس فَإِن عبد الْملك لم يزل فِي تَقَدُّمِ مِنْ أَمْرَهُ إِلَى أَنِ اسْتَنْقَذَ الْعرَاق من بن الزبير وَقتل أَخَاهُ مصعبا ثمَّ جهز العساكر إِلَى بن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا كَانَ وَلم يزل أَمر بن الزُّبَيْرِ فِي تَأَخُّرِ إِلَى أَنْ قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ





[ قــ :4411 ... غــ :4666] عَنْ عمر بن سعيد أَي بن أَبِي حُسَيْنِ الْمَكِّيِّ وَقَولُهُ لَأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي أَيْ لَأُنَاقِشَنَّهَا فِي مَعُونَتِهِ وَنُصْحِهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ لَأَذْكُرَنَّ مِنْ مَنَاقِبِهِ مَا لَمْ أذكر من مناقبهما وَإِنَّمَا صنع بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ لَاشْتَرَاكِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِخِلَاف بن الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَتْ مَنَاقِبُهُ فِي الشُّهْرَةِ كَمَنَاقِبِهِمَا فأظهر ذَلِك بن عَبَّاسٍ وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ إِنْصَافًا مِنْهُ لَهُ فَلَمَّا لَمْ يُنْصِفْهُ هُوَ رَجَعَ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي أَيْ يَتَرَفَّعُ عَلَيَّ مُتَنَحِّيًا عَنِّي .

     قَوْلُهُ  وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ أَيْ لَا يُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِنْ خَاصَّتِهِ وَقَولُهُ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نَفْسِي أَيْ أَبْدَؤُهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَلَا يَرْضَى مِنِّي بِذَلِكَ وَقَولُهُ وَمَا أَرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا أَيْ لَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ بِي خَيْرًا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَإِنَّمَا أَرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَيُوَضِّحُهُ مَا تَقَدَّمَ وَقَولُهُ لَأَنْ يُرَبِّنِي أَيْ يَكُونُ عَلَيَّ رَبًّا أَيْ أَمِيرًا أَوْ رَبَّهُ بِمَعْنَى رَبَّاهُ وَقَامَ بِأَمْرِهِ وَمَلَكَ تَدْبِيرِهِ قَالَ التَّيْمِيُّ مَعْنَاهُ لَأَنْ أَكُونَ فِي طَاعَةِ بَنِي أُمَيَّةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ فِي طَاعَةِ بَنِي أَسَدٍ لِأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ أَقْرَبُ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَمَا تقدم وَالله أعلم