فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصدقة عند الموت

(قَولُهُ بَابُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ)
أَيْ جَوَازِهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَفْضَلَ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِهِ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ هُنَاكَ فِي جَمِيعِ إِسْنَادِهِ بَدَلَ الْعَنْعَنَةِ هُنَا



[ قــ :2623 ... غــ :2748] .

     قَوْلُهُ  أَنْ تَصَدَّقَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَأَصْلُهُ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَبِالتَّشْدِيدِ عَلَى إِدْغَامِهَا .

     قَوْلُهُ  وَلَا تُمْهِلْ بِالْإِسْكَانِ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ وَيَجُوزُ النَّصْبُ .

     قَوْلُهُ  قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ فُلَانٌ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الْمُوصَى لَهُ وَفُلَانٌ الْأَخِيرُ الْوَارِثُ لِأَنَّهُ إِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ مَنْ يُوصَى لَهُ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ كَانَ فِي الثَّالِثِ إِشَارَةً إِلَى تَقْدِيرِ الْقَدْرِ لَهُ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ الْوَارِثَ وَالثَّانِي الْمُوَرِّثَ وَالثَّالِثُ الْمُوصَى لَهُ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا وَصِيَّةً وَبَعْضُهَا إِقْرَارًا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ.

قُلْتُ اصْنَعُوا لِفُلَانٍ كَذَا وَتَصَدَّقُوا بِكَذَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ بُسْرِ بْنِ جِحَاشٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَأَبُوهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ شين مُعْجمَة عِنْد أَحْمد وبن ماجة وَصَححهُ وَاللَّفْظ لِابْنِ ماجة قَالَ بَزَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفِّهِ ثُمَّ وَضَعَ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ.

     وَقَالَ  يَقُولُ الله أَنِّي يعجزني بن آدَمَ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ فَإِذَا بَلَغَتْ نَفْسُكَ إِلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ قُلْتَ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْيَمَانِ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بَرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَتَصَدَّقُوا بِكَذَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ تَنْجِيزَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّصَدُّقِ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الصِّحَّةِ أَفْضَلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْمَرَضِ وَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْغِنَى إِلَخْ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ يَصْعُبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمَالِ غَالِبًا لِمَا يُخَوِّفُهُ بِهِ الشَّيْطَانُ وَيُزَيِّنُ لَهُ مِنْ إِمْكَانِ طُولِ الْعُمْرِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفقر الْآيَةَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ رُبَّمَا زَيَّنَ لَهُ الْحَيْفَ فِي الْوَصِيَّةِ أَوِ الرُّجُوعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ فيتمحض تَفْضِيل الصَّدَقَة النَّاجِزَةِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّرَفِ يَعْصُونَ اللَّهَ فِي أَمْوَالِهِمْ مَرَّتَيْنِ يَبْخَلُونَ بِهَا وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ يَعْنِي فِي الْحَيَاةِ وَيُسْرِفُونَ فِيهَا إِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَيْدِيهِمْ يَعْنِي بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا قَالَ مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ وَيَتَصَدَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ مَثَلُ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى حَدِيث الْبَاب وروى أَبُو دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا لَأَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِمِائَة (