فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخطبة أيام منى

( قَولُهُ بَابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى)
أَيْ مَشْرُوعِيَّتِهَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّهَا لَا تُشْرَعُ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا حَدِيثُ جَابِرِ بن زيد عَن بن عَبَّاسٍ وَهُوَ ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ التَّقْيِيد بِالْخطْبَةِ بِعَرَفَات وَقد أجَاب عَنهُ بن الْمُنِيرِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَيَّامُ مِنًى أَرْبَعَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ التَّصْرِيحُ بِغَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبِي أُمَامَةَ كِلَاهُمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَحْمَدَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَفِيهِ ذِكْرُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأما قَوْله فِي حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِمِنًى فَهُوَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَتَعَيَّنُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ فَقَالَ كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فَ.

     قَوْلُهُ  فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ وَفِي حَدِيثِ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الرُّءُوس فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَعَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَمَّنْ سَمِعَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد أَحْمد قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لَا خُطْبَةَ فِيهِ لِلْحَاجِّ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ الْوَصَايَا الْعَامَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الْحَجِّ فَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ يُبَيِّنَ أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ سَمَّاهَا خُطْبَةً كَمَا سَمَّى الَّتِي وَقَعَتْ فِي عَرَفَاتٍ خُطْبَةً وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَاتٍ فَكَأَنَّهُ أَلْحَقَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَذْكُرُ نَقْلَ الِاخْتِلَافِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ الأول هُوَ بن الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ وَفُضَيْلٌ بِالتَّصْغِيرِ وَغَزْوَانُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايَ



[ قــ :1664 ... غــ :1739] .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْم حرَام كَذَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بلَى وَحَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ نَحْوُهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ فَسَكَتَ إِلَخْ بَلْ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِمْ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ فَقِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ يَوْمَ النَّحْرِ إِنَّمَا تُشْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إِنَّ بَعْضَهُمْ بَادَرَ بِالْجَوَابِ وَبَعْضَهُمْ سَكَتَ وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ إِنَّهُمْ فَوَّضُوا أَوَّلًا كُلُّهُمْ بِقَوْلِهِمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَلَمَّا سَكَتَ أَجَابَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَقِيلَ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ بِلَفْظَيْنِ فَلَمَّا كَانَ فِي حَدِيث أبي بكرَة فخامة لَيست فِي الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِيهِ أَتَدْرُونَ سَكَتُوا عَنِ الْجَواب بِخِلَاف حَدِيث بن عَبَّاسٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكرْمَانِي وَقيل فِي حَدِيث بن عَبَّاس اخْتِصَار بَينته رِوَايَة أبي بكرَة وبن عُمَرَ فَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ قَوْلَهُمْ يَوْمٌ حَرَامٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ قَرَّرُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ بَلَى وَسَكَتَ فِي رِوَايَة بن عُمَرَ عَنْ ذِكْرِ جَوَابِهِمْ وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بِاخْتِصَارٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ فِي بَابِ قَوْلِهِ رُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ .

     قَوْلُهُ  يَوْمٌ حَرَامٌ أَيْ يَحْرُمُ فِيهِ الْقِتَالُ وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ وَكَذَلِكَ الْبَلَدُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مُسْتَوْعِبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَأَعَادَهَا مِرَارًا لَمْ أَقِفْ عَلَى عَدَدِهَا صَرِيحًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا كَعَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَى السَّمَاء قَوْله قَالَ بن عَبَّاسٍ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْكَلَامَ الْأَخِيرَ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ فُضَيْلٍ بِإِسْنَادِ الْبَابِ بِلَفْظِ ثُمَّ قَالَ أَلَا فَلْيُبَلِّغْ إِلَخْ وَهُوَ يُوَضِّحُ مَا قُلْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أمته فِي رِوَايَة أَحْمد عَن بن نُمَيْرٍ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى رَبِّهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَالْمُقَدَّمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِمَا تَنْبِيهٌ لِسِتَّةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ مِنْ أَيَّامِ ذِي الْحِجَّةِ أَسْمَاءُ الثَّامِنُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَالتَّاسِعُ عَرَفَةَ وَالْعَاشِرُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْقُرِّ وَالثَّانِيَ عَشَرَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرِ الثَّانِي وَذَكَرَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ السَّابِعَ يُسَمَّى يَوْمَ الزِّينَةِ وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي





[ قــ :1665 ... غــ :1740] أخبرنَا عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَقَولُهُ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي فِي بَابِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَبَعْدَهُ مُتَّصِلًا يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ بِقَوْلِهِ مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ الْحَدِيثَ وَذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِبَابٍ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ مَنْ لَمْ يَجِدْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو أَيْ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ تَابَعَ شُعْبَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَلَفْظُهُ سَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ مَنْ لَمْ يَجِدْ فَذَكَرَهُ فَلَمْ يُعَيِّنْ مَوضِع الْخطْبَة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحميدِي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ





[ قــ :1666 ... غــ :1741] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَأَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ وقره هُوَ بن خَالِدٍ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْحِمْيَرِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ عِنْد بن سِيرِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْوِلَايَاتِ وَكَانَ حُمَيْدٌ زَاهِدًا .

     قَوْلُهُ  أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ بِنَصْبِ يَوْمٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ وَالتَّقْدِيرُ أَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ لَيْسَ وَالتَّقْدِيرُ أَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ هَذَا الْيَوْمَ وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ لَكِنْ يُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ أَيْ أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ هَذَا الشَّهْرَ .

     قَوْلُهُ  بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ كَذَا فِيهِ بِتَأْنِيثِ الْبَلَدِ وَتَذْكِيرِ الْحَرَامِ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ اضْمَحَلَّ مِنْهُ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ وَصَارَ اسْمًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ إِنَّ الْبَلْدَةَ اسْمٌ خَاصٌّ بِمَكَّةَ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلدة.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيُّ الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَامِلِ وَهِيَ الْجَامِعَةُ لِلْخَيْرِ الْمُسْتَجْمِعَةُ لِلْكَمَالِ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ تُسَمَّى الْبَيْتَ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَدِ اخْتَصَرْتُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ لِلتُّورِبِشْتِيِّ .

     قَوْلُهُ  إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ بِفَتْحِ يَوْمٍ وَكَسْرِهِ مَعَ التَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ وَتَرْكُ التَّنْوِينِ مَعَ الْكَسْرِ هُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ .

     قَوْلُهُ  اللَّهُمَّ اشْهَدْ تَقَدَّمَ أَنه أعَاد ذَلِك فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنَّ يُبَلِّغَ فَأَشْهَدَ اللَّهَ عَلَى أَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَالْمُبَلَّغُ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ رُبَّ شَخْصٍ بَلَغَهُ كَلَامِي فَكَانَ أَحْفَظَ لَهُ وَأَفْهَمَ لِمَعْنَاهُ مِنَ الَّذِي نَقَلَهُ لَهُ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَكُونُ لَهُ مِنَ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ مَا لَيْسَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ رُبَّ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّقْلِيلِ.

قُلْتُ هِيَ فِي الْأَصْلِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِي التَّكْثِيرِ بِحَيْثُ غَلَبَتْ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ لَكِنْ يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّقْلِيلَ هُنَا مُرَادٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ عَسَى أَنْ يَبْلُغَ مَنْ هُوَ أوعى لَهُ مِنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الْحَدِيثِ لِمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ وَلَا فِقْهَهُ إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ وَيَجُوزُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا وُجُوبُ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ وَفِيهِ تَأْكِيدُ التَّحْرِيمِ وَتَغْلِيظُهُ بِأَبْلَغِ مُمْكِنٍ مِنْ تَكْرَارٍ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ لِيَكُونَ أَوْضَحَ لِلسَّامِعِ وَإِنَّمَا شَبَّهَ حُرْمَةَ الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ بِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالْبَلَدِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ وَلَا يَرَوْنَ هَتْكَ حُرْمَتِهَا وَيَعِيبُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْهَا تَذْكَارًا لِحُرْمَتِهَا وَتَقْرِيرًا لِمَا ثَبَتَ فِي نُفُوسِهِمْ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا أَرَادَ تَقْرِيرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ





[ قــ :1667 ... غــ :174] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ هُوَ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر فَرِوَايَتُهُ عَنْ جَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  أَفَتَدْرُونَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ الْمُطَرِّزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمثنى شيخ البُخَارِيّ قَالَ أَو تَدْرُونَ .

     قَوْلُهُ  وقَال هِشَامُ بْنُ الْغَازِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَآخره زَاي خَفِيفَة وَقد وَصله بن مَاجَهْ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَلَّى وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَعَنْ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ دُحَيْمٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ الْجَمَرَاتِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ فِيهِ تَعْيِينُ الْبُقْعَةِ الَّتِي وَقَفَ فِيهَا كَمَا أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا تَعْيِينَ الْمَكَانِ كَمَا أَنَّ فِي حَدِيثَيِ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ تَعْيِينَ الْيَوْمِ وَوَقَعَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ مِنَ الْيَوْمِ فِي رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ عُمَرَ وَالْمُزَنِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ مَنْ ذُكِرَ أَوَّلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا أَيْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ أَصْلَ الْحَدِيثِ وَأَصْلَ مَعْنَاهُ لَكِنَّ السِّيَاقَ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ فِي طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُمْ أَجَابُوا بِقَوْلِهِمْ اللَّهُ وَرَسُوله أعلم وَفِي هَذَا عِنْد بن مَاجَهْ وَغَيْرِهِ فِي أَجْوِبَتِهِمْ قَالُوا يَوْمُ النَّحْرِ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَجَابُوا أَوَّلًا بِالتَّفْوِيضِ فَلَمَّا سَكَتَ أَجَابُوا بِالْمَطْلُوبِ وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا أَيْ وَقَفَ مُتَلَبِّسًا بِهَذَا الْكَلَامِ .

     قَوْلُهُ  وقَال هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَطَفِقَ فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ وَغَيْرِهِ بَيْنَ قَوْلِهِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَطَفِقَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَدِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ هَذَا الْبَلَدِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَدْ وَقَعَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فَوَدَّعَ النَّاسَ وَقَعَ فِي طَرِيقِ ضَعِيفَةٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ من حَدِيث بن عُمَرَ سَبَبُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ أُنْزِلَتْ إِذَا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ فَوَقَفَ بِالْعَقَبَةِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَخَالَفَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا خُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ سَابِعُ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى وَوَافَقَهُمُ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ ثَانِي النَّحْرِ ثَالِثَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ النَّفْرِ وَزَادَ خُطْبَةً رَابِعَةً وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ.

     وَقَالَ  إِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهَا لِيَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ.
وَتَعَقَّبَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا وَصَايَا عَامَّةً وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ فِيهَا شَيْئًا مِنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ لِأَجْلِ الْحَج.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَبْلِيغِ مَا ذَكَرَهُ لِكَثْرَةِ الْجَمْعِ الَّذِي اجْتَمَعَ مِنْ أَقَاصِي الدُّنْيَا فَظَنَّ الَّذِي رَآهُ أَنَّهُ خَطَبَ قَالَ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَى تَعْلِيمِهِمْ أَسْبَابَ التَّحَلُّلِ الْمَذْكُورَةَ فَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ إِيَّاهَا يَوْمَ عَرَفَةَ اه وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَعْظِيمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَلَى تَعْظِيمِ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَعَلَى تَعْظِيمِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَقَدْ جَزَمَ الصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ بِتَسْمِيَتِهَا خُطْبَةً فَلَا يُلْتَفَتُ لِتَأْوِيلِ غَيْرِهِمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ إِمْكَانِ تَعْلِيمِ مَا ذُكِرَ يَوْمَ عَرَفَةَ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ يَرَى مَشْرُوعِيَّةَ الْخُطْبَةِ ثَانِيَ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمُوا ذَلِكَ يَوْمَ عَرَفَةَ بَلْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ جَمِيعَ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَعْمَالٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ شُرِعَ تَجْدِيدُ التَّعْلِيمِ بِحَسَبِ تَجْدِيدِ الْأَسْبَابِ وَقَدْ بَيَّنَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ عَالِمُ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ نُقِلَتْ مِنْ خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْأُمَرَاءِ يَعْنِي مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ قَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْريّ عَن بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَشُغِلَ الْأُمَرَاءُ فَأَخَّرُوهُ إِلَى الْغَدِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِمَا سَبَقَ وَبَانَ بِهِ أَنَّ السُّنَّةَ الْخُطْبَةُ يَوْمَ النَّحْرِ لَا ثَانِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ إِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ فَلَا يَنْفِي وُقُوعَ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ وَذَكَرَ فِيهِ السُّؤَالَ عَنْ تَقَدُّمِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ عَلَى بَعْضٍ فَكَيْفَ سَاغَ لِلطَّحَاوِيِّ هَذَا النَّفْيُ الْمُطْلَقُ مَعَ رِوَايَتِهِ هُوَ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَثَبَتَ أَيْضًا فِي بَعْضِ طُرُقِ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ حِينَئِذٍ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَكَأَنَّهُ وَعَظَهُمْ بِمَا وَعَظَهُمْ بِهِ وَأَحَالَ فِي تَعْلِيمِهِمْ عَلَى تَلَقِّي ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ وَمِمَّا يُرَدُّ بِهِ على تَأْوِيل الطَّحَاوِيّ مَا أخرجه بن ماجة من حَدِيث بن مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ بِعَرَفَاتٍ أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَنَحْوُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِير من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ أَحْمَرَ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ قَالُوا هَذَا الْيَوْمُ قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ أَحْرَمُ الْحَدِيثَ وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطَبَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ يَوْمَ عَرَفَةَ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي وَرَدَتْ عَنِ الصَّحَابَةِ بِتَصْرِيحِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ فَمِنْهَا حَدِيثُ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْجَدْعَاءِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَدِيثُ مَعَاذٍ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بمنى أخرجه وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِين ارْتَفع الضُّحَى أخرجه وَأَخْرَجَ مِنْ مُرْسَلِ مَسْرُوقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ وَاللَّهُ أعلم