فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب مناقب المهاجرين وفضلهم "

( قَولُهُ بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ)
سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْمُرَادُ بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ عَدَا الْأَنْصَارِ وَمَنْ أَسْلَمَ يَوْمُ الْفَتْحِ وَهَلُمَّ جَرًّا فَالصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَالْأَنْصَارُ هُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَحُلَفَاؤُهُمْ وَمَوَالِيهِمْ .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ هَكَذَا جَزَمَ بِأَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَبْدَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُسَمَّى أَيْضًا عَتِيقًا وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لَهُ أَصْلِيٌّ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَسَبِهِ مَا يُعَابُ بِهِ أَوْ لِقِدَمِهِ فِي الْخَيْرِ وَسَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِحُسْنِهِ أَوْ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَلَمَّا وُلِدَ اسْتَقْبَلَتْ بِهِ الْبَيْتَ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ هَذَا عَتِيقُكَ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ الله بن الزبير عِنْد الْبَزَّار وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَزَادَ فِيهِ وَكَانَ اسْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ اسْمُ أَبِي قُحَافَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ كَمَا لَمْ يخْتَلف فِي كنيته الصِّدِّيقِ وَلُقِّبَ الصِّدِّيقَ لِسَبْقِهِ إِلَى تَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَانَ ابْتِدَاءُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَأَمَّا نَسَبُهُ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَعَدَدُ آبَائِهِمَا إِلَى مُرَّةَ سَوَاءٌ وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ سَلْمَى وَتُكَنَّى أُمَّ الْخَيْرِ بِنْتَ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ وَذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ مَنَاقِبِهِ لِأَنَّهُ انْتَظَمَ إِسْلَامُ أَبَوَيْهِ وَجَمِيعِ أَوْلَادِهِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرين الْآيَةَ سَاقَهَا الْأَصِيلِيُّ وَكَرِيمَةُ إِلَى قَوْلِهِ هُمُ الصَّادِقُونَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى ثُبُوتِ فَضْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَوْصَافِهِمُ الْجَمِيلَةِ وَشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالصِّدْقِ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله الْآيَةَ سَاقَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ ان الله مَعنا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَا إِلَى ثُبُوتِ فَضْلِ الْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمُ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ فِي نَصْرِهِ وَكَانَ نَصْرُ اللَّهِ لَهُ فِي حَالِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِحِفْظِهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِيَرُدُّوهُ عَنْ مَقْصِدِهِ وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ حَيْثُ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ وَوَقَاهُ بِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَشَهِدَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا بِأَنَّهُ صَاحِبُ نَبِيِّهِ قَوْله.

     وَقَالَ ت عَائِشَة وَأَبُو سعيد وبن عَبَّاسٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ أَيْ لَمَّا خَرَجَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ سَيَأْتِي مُطَوَّلًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِيهِ ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْر الحَدِيث وَحَدِيث أبي سعيد أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ فِي قِصَّةِ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْحَجِّ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ أخي وصاحبي فِي الْغَار الحَدِيث وَحَدِيث بن عَبَّاس فِي تَفْسِير بَرَاءَة فِي قصَّة بن عَبَّاس مَعَ بن الزبير وفيهَا قَول بن عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ لَعَلَّهُ أَمَسُّ بِالْمُرَادِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرْمُونَ عَلِيًّا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إِنَّهُ انْطَلَقَ نَحْوَ بِئْرِ مَيْمُونٍ فَأَدْرِكْهُ قَالَ فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ مَعَهُ الْغَارَ الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ دُونَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ هُنَا وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قَالَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ مِنْ وَجْهٍ اخر عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ صَاحِبِي وَمُؤْنِسِي فِي الْغَارِ الْحَدِيثَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ



[ قــ :3485 ... غــ :3652] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ هُوَ الْغُدَانِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ وَكَذَا بَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عَازِبٌ لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِلَفْظِ فَقَالَ لِعَازِبٍ ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلُهُ مَعِي قَالَ فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي وَظَاهِرُهُمَا التَّخَالُفُ فَإِنَّ مُقْتَضَى رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ عَازِبًا امْتَنَعَ مِنْ إِرْسَالِ وَلَدِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى يُحَدِّثَهُمْ وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقِ التَّحْدِيثَ عَلَى شَرْطٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ عَازِبًا اشْتَرَطَ أَوَّلًا وَأَجَابَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى سُؤَالِهِ فَلَمَّا شَرَعُوا فِي التَّوَجُّهِ اسْتَنْجَزَ عَازِبٌ مِنْهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ مِنَ التَّحْدِيثِ فَفَعَلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنِ اسْتَجَازَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّحْدِيثِ وَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا التَّحْدِيثَ بِضَاعَةً.
وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ عَازِبٍ وَأَبِي بَكْرٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ التُّجَّارِ بِأَنَّ أَتْبَاعَهُمْ يَحْمِلُونَ السِّلْعَةَ مَعَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَعْطَاهُمْ أُجْرَةً أَمْ لَا كَذَا قَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْجَوَازِ بِذَلِكَ بُعْدًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَنَّ عَازِبًا لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إِرْسَالِ ابْنِهِ لَاسْتَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ التَّحْدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَلَا عَلَى تَسْمِيَةِ صَاحِبِ الْغَنَمِ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ شَيْءٌ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الرَّاعِي وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ احْمَد وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ.

قُلْتُ نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ الْحَدِيثَ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الرَّاعِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لِأَنَّ ذَاكَ قِيلَ لَهُ هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ فَقَالَ نَعَمْ وَهَذَا أَشَارَ بِأَنَّهُ غَيْرُ حَالِبٍ وَذَاكَ حَلَبَ مِنْ شَاةٍ حَافِلٍ وَهَذَا مِنْ شَاةٍ لَمْ تُطْرَقْ وَلَمْ تَحْمِلْ ثُمَّ إِنَّ فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّتَهُ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِقَوْلِهِ فِيهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَت قبل إِسْلَام بن مَسْعُود واسلام بن مَسْعُودٍ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِزَمَانٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ فِي الْهِجْرَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَوْسٍ عَنْ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاللَّهِ ماسمعتها مِنْ غَيْرِهِ كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ حَتَّى رَضِيتُ فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ أَمْعَنَ فِي الشُّرْبِ وَعَادَتُهُ الْمَأْلُوفَةُ كَانَتْ عَدَمَ الْإِمْعَانِ .

     قَوْلُهُ  قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ دَخَلَ وَقْتُهُ وَتَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ.

قُلْتُ بَلَى فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فَسَأَلَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بَلَى ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ قَدْ آنَ الرَّحِيلُ قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ إِنَّمَا شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَبَنِ تِلْكَ الْغَنَمِ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي زَمَنِ الْمُكَارَمَةِ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُهُ لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي زَمَنِ التَّشَاحِّ أَوِ الثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى التَّسَوُّرِ وَالِاخْتِلَاسِ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ قَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ سُؤَالَ الرَّاعِي هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ فَقَالَ نَعَمْ كَأَنَّهُ سَأَلَهُ هَلْ أَذِنَ لَكَ صَاحِبُ الْغَنَمِ فِي حَلَبِهَا لِمَنْ يَرِدُ عَلَيْكَ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ لِلْعَرَبِ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ وَالْإِذْنِ فِي الْحَلْبِ عَلَى الْمَارِّ وَلِابْنِ السَّبِيلِ فَكَانَ كُلُّ رَاعٍ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ إِنَّمَا شَرِبَ من ذَلِك على انه بن سَبِيلٍ وَلَهُ شُرْبُ ذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ وَلَا سِيَّمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْعَدَ من قَالَ انما استجازه لِأَنَّهُ مَال الْحَرْبِيّ لَان الْقِتَالَ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ بَعْدُ وَلَا أُبِيحَتِ الْغَنَائِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ اللُّقَطَةِ وَفِيهَا الْكَلَامُ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ مُطْلَقًا وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ خِدْمَةُ التَّابِعِ الْحُرِّ لِلْمَتْبُوعِ فِي يَقِظَتِهِ وَالذَّبُّ عَنْهُ عِنْدَ نَوْمِهِ وَشِدَّةُ مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدَبُهُ مَعَهُ وَإِيثَارُهُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ أَدَبُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنْظِيفِ لِمَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ وَفِيهِ اسْتِصْحَابُ آلَةِ السَّفَرِ كَالْإِدَاوَةِ وَالسُّفْرَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّوَكُّلِ وَسَتَأْتِي قِصَّةُ سُرَاقَةَ فِي الْهِجْرَةِ مُسْتَوْفَاةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْرَدَهَا هُنَا مُخْتَصَرَةً جِدًّا وَفِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ أَتَمَّ مِنْهُ تَنْبِيهٌ أَوْرَدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِي آخِرِهِ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً وَسَأَذْكُرُ مَا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  تُرِيحُونَ بِالْعَشِيِّ تَسْرَحُونَ بِالْغَدَاةِ هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكُمْ فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ يُثْبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ فِيهِ وَيَرْعَى عَلَيْهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَيُرِيحُهُمَا عَلَيْهِمَا فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ شَرْحِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَلَمْ يَجْرِ فِيهِ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ ذِكْرٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ





[ قــ :3486 ... غــ :3653] .

     قَوْلُهُ  عَنْ ثَابِتٍ فِي رِوَايَةِ حَبَّانَ بْنِ هِلَالٍ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ حَبَّانَ الْمَذْكُورَةِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ زَادَ فِي رِوَايَةِ حَبَّانَ الْمَذْكُورَةِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَمَّامٍ فِي الْهِجْرَةِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فِيهِ مَجِيءُ لَوِ الشَّرْطِيَّةِ لِلِاسْتِقْبَالِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِمَجِيءِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَالَهُ حَالَةَ وُقُوفِهِمْ عَلَى الْغَارِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَالَهُ بَعْدَ مُضِيِّهِمْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى صِيَانَتِهِمَا مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ وَفِي رِوَايَةِ حَبَّانَ رَفَعَ قَدَمَيْهِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ أَخْرَجَهُ بن عَسَاكِرَ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ بَابَ الْغَارِ اسْتَتَرَ بِأَقْدَامِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ اسْتَتَرَ بِثِيَابِهِمْ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَبَّانَ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ وَوَقَعَ فِي مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ قَالَ وَأَتَى الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الْغَارُ الَّذِي فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعُوا فَوْقَهُ وَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ أَصْوَاتَهُمْ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ وَالْخَوْفُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحْزَنْ ان الله مَعنا وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعنا الْآيَةَ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ قَالَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ حِينَئِذٍ وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ لَا تحزن قَوْله ماظنك يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا فِي رِوَايَةِ مُوسَى فَقَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا وَقَولُهُ اثْنَانِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ نَحْنُ اثْنَانِ وَمَعْنَى ثَالِثُهُمَا نَاصِرُهُمَا وَمُعِينُهُمَا وَإِلَّا فَاللَّهُ ثَالِثُ كُلِّ اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَفِيهِ أَنَّ بَابَ الْغَارِ كَانَ مُنْخَفِضًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ ضَيِّقًا فَقَدْ جَاءَ فِي السِّيَرِ لِلْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ وَجَلَسَ يَبُولُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ رَآنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَوْ رَآنَا لَمْ يَكْشِفْ عَنْ فَرْجِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ اشْتُهِرَ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ تَفَرَّدَ بِهِ هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ وَقد أخرجه بن شَاهِينَ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ بِمُتَابَعَةِ هَمَّامٍ وَقَدْ قَدَّمْتُ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَوجدت لَهُ اخر عَن بن عَبَّاس أخرجه الْحَاكِم فِي الإكليل