فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب وجوب الصلاة في الثياب "

( قَولُهُ بَابُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً الحَدِيث وَفِيه فَنزلت خُذُوا زينتكم وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ طَاوُسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى خُذُوا زينتكم قَالَ الثِّيَابُ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَنَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَنقل بن حَزْمٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ هَكَذَا ثَبَتَ لِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ هُنَا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ هُنَا فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ الْمُعَلَّقِ بَعْدَهُ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِهِ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ قَدْ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي تَرْكِ جَزْمِهِ بِهِ بِقَوْلِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَتَصَيَّدُ أَفَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ قَالَ نَعَمْ زُرَّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَمَةَ زَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ فَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ بَيْنَ مُوسَى وَسَلَمَةَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةُ أَبِي أُوَيْسٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ أَوْ يَكُونَ التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةِ عَطَّافٍ وَهْمًا فَهَذَا وَجْهُ النَّظَرِ فِي إِسْنَادِهِ.
وَأَمَّا مَنْ صَحَّحَهُ فَاعْتَمَدَ رِوَايَةَ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَجَعَلَ رِوَايَةَ عَطَّافٍ شَاهِدَةً لِاتِّصَالِهَا وَطَرِيقُ عَطَّافٍ أَخْرَجَهَا أَيْضًا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأما قَول بن الْقطَّان إِن مُوسَى هُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ الْمُضَعَّفُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَنَّهُ نُسِبَ هُنَا إِلَى جَدِّهِ فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ نُسِبَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مَخْزُومِيًّا وَهُوَ غَيْرُ التَّيْمِيِّ بِلَا تَرَدُّدٍ نَعَمْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا رَوَيَا الْحَدِيثَ وَحَمَلَهُ عَنْهُمَا الدَّرَاوَرْدِيُّ وَإِلَّا فَذِكْرُ مُحَمَّدٍ فِيهِ شَاذٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَزُرُّهُ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَشُدُّ إِزَارَهُ وَيَجْمَعُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يَغْرِزَ فِي طَرَفَيْهِ شَوْكَةً يَسْتَمْسِكُ بِهَا وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ حَدِيثَ سَلَمَةَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَخْذِ الزِّينَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ لُبْسُ الثِّيَابِ لَا تَحْسِينُهَا .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ قَالَتْ نَعَمْ إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى وَهَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا تَرَاجِمُ هَذَا الْكِتَابِ بِغَيْرِ صِيغَةِ رِوَايَةٍ حَتَّى وَلَا التَّعْلِيقِ .

     قَوْلُهُ  مَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى سَقَطَ لَفْظُ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَعْثِ عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ وَقَدْ وَصَلَهُ بَعْدَ قَلِيلٍ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَفْسَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ لايحج بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ الْحَدِيثَ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلْبَابِ أَنَّ الطَّوَافَ إِذَا مُنِعَ فِيهِ التَّعَرِّي فَالصَّلَاةُ أَوْلَى إِذْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّوَافِ وَزِيَادَةٌ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الذَّاكِرِ وَالنَّاسِي وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ سُنَّةً لَا يُبْطِلُ تَرْكُهَا الصَّلَاةَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ لَاخْتَصَّ بِهَا وَلَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ وَلَكَانَ الْعَاجِزُ الْعُرْيَانُ يَنْتَقِلُ إِلَى بَدَلٍ كَالْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْقُعُودِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ النَّقْضُ بِالْإِيمَانِ فَهُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا وَعَنِ الثَّانِي بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ وَعَنِ الثَّالِثِ عَلَى مَا فِيهِ بِالْعَاجِزِ عَنِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ عَنِ التَّسْبِيحِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي سَاكِتًا



[ قــ :347 ... غــ :351] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ وَمُحَمّد هُوَ بن سِيرِينَ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  أُمِرْنَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الطَّهَارَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي بَابِ شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ثَمَّ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي والْكُشْمِيهَنِيِّ يَوْمَ الْعِيدِ بِالْإِفْرَادِ .

     قَوْلُهُ  وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ أَيِ النِّسَاءُ اللَّاتِي لَسْنَ بِحُيَّضٍ وَلِلْمُسْتَمْلِي عَنْ مُصَلَّاهُمْ عَلَى التَّغْلِيبِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَنِ الْمُصَلَّى وَالْمُرَادُ بِهِ مَوضِع الصَّلَاةِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى التَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ تَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِاللُّبْسِ حَتَّى بِالْعَارِيَةِ لِلْخُرُوجِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْفَرِيضَةِ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  وقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ هُوَ الْغُدَانِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ فِي عَرْضِهِ عَلَى أَبِي زَيْدٍ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ.

     وَقَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ كَمَا قَالَ الْبَاقُونَ.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَالْكَلَامِ عَلَى رِجَالِ هَذَا الْكِتَابِ وَعِمْرَانُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْقَطَّانُ وَفَائِدَةُ التَّعْلِيقِ عَنْهُ تَصْرِيحُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِتَحْدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ لَهُ فَبَطَلَ مَا تَخَيَّلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ وَاللَّهُ أعلم