فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة، مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم

( قَولُهُ بَابُ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ)
كَذَا بِالْمِيمِ فِي يَتَخَوَّنَهُمْ وَعَثَرَاتِهِمْ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الصَّوَابُ بِالنُّونِ فِيهِمَا.

قُلْتُ بَلْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ بِالْمِيمِ فِيهِمَا عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي إِدْرَاجِهِ فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ وَاسْتَعْمَلَ بَقِيَّتَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَدْ جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَطْلُبَ عَثَرَاتِهِمْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ سُفْيَانُ لَا أَدْرِي هَذَا فِي الْحَدِيثِ أَمْ لَا يَعْنِي يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَطْلُبَ عَثَرَاتِهِمْ ثُمَّ سَاقَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبٍ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَقَولُهُ عَثَرَاتِهِمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ عَثْرَةٍ وَهِيَ الزَّلَّةُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغْيِبَاتِ فَإِنَّ الشَّيْطَان يجْرِي من بن آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ



[ قــ :4965 ... غــ :5243] .

     قَوْلُهُ  يُكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطُّرُوقُ بِالضَّمِّ الْمَجِيءُ بِاللَّيْلِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى غَفْلَةٍ وَيُقَالُ لِكُلِّ آتٍ بِاللَّيْلِ طَارِقٌ وَلَا يُقَالُ بِالنَّهَارِ إِلَّا مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي أَوَاخِرَ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ قَالَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَمِنْهُ حَدِيثُ طَرَقَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ.

     وَقَالَ  بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَصْلُ الطُّرُوقِ الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ وَبِذَلِكَ سُمِّيَتِ الطَّرِيقُ لِأَنَّ الْمَارَّةَ تَدُقُّهَا بِأَرْجُلِهَا وَسَمَّى الْآتِيَ بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ غَالِبًا إِلَى دَقِّ الْبَابِ وَقِيلَ أَصْلُ الطُّرُوقِ السُّكُونُ وَمِنْهُ أَطْرَقَ رَأْسَهُ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ يَسْكُنُ فِيهِ سَمَّى الْآتِيَ فِيهِ طَارِقًا وَقَولُهُ فِي طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا التَّقْيِيدُ فِيهِ بِطُولِ الْغَيْبَةِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ إِنَّمَا تُوجَدُ حِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ مَثَلًا نَهَارًا وَيَرْجِعُ لَيْلًا لَا يَتَأَتَّى لَهُ مَا يَحْذَرُ مِنَ الَّذِي يُطِيلُ الْغَيْبَةَ كَانَ طُولُ الْغَيْبَةِ مَظِنَّةَ الْأَمْنِ مِنَ الْهُجُومِ فَيَقَعُ الَّذِي يَهْجُمُ بَعْدَ طُولِ الْغَيْبَةِ غَالِبًا مَا يُكْرَهُ إِمَّا أَنْ يَجِدَ أَهْلَهُ عَلَى غَيْرِ أُهْبَةٍ مِنَ التَّنَظُّفِ وَالتَّزَيُّنِ الْمَطْلُوبِ مِنَ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ النَّفْرَةِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ كَيْ تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَرَاهَةُ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا غَيْرَ مُتَنَظِّفَةٍ لِئَلَّا يَطَّلِعَ مِنْهَا عَلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِنَفْرَتِهِ مِنْهَا وَإِمَّا أَنْ يَجِدَهَا عَلَى حَالَةٍ غَيْرِ مُرْضِيَّةٍ وَالشَّرْعُ مُحَرِّضٌ عَلَى السَّتْرِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ وَيَتَطَلَّبَ عَثَرَاتِهِمْ فَعَلَى هَذَا مَنْ أَعْلَمَ أَهْلَهُ بِوُصُولِهِ وَأَنَّهُ يَقْدُمُ فِي وَقْتِ كَذَا مَثَلًا لَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا النَّهْيُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ فَقَالَ لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ وَأَرْسَلَ مَنْ يُؤَذِّنُ النَّاسَ أَنَّهُمْ قَادِمُونَ قَالَ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ طُرُوقِ الْمُسَافِرِ أَهْلَهُ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِعْلَامٍ مِنْهُ لَهُمْ بِقُدُومِهِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَتْ إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَقَدْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فَرَأَى عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا فَعُوقِبَ بِذَلِكَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ اه وَأَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث أخرجه بن خُزَيْمَة عَن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطْرَقَ النِّسَاءُ لَيْلًا فَطَرَقَ رَجُلَانِ كِلَاهُمَا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ مَا يَكْرَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَكِلَاهُمَا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ أَتَى امْرَأَتَهُ لَيْلًا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ تُمَشِّطُهَا فَظَنَّهَا رَجُلًا فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَلَمَّا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّوَادِّ وَالتَّحَابِّ خُصُوصًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَاعَى ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ اطِّلَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِسِتْرِهِ حَتَّى إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْفَى عَنْهُ مِنْ عُيُوبِ الْآخَرِ شَيْءٌ فِي الْغَالِبِ وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنِ الطُّرُوقِ لِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى مَا تَنْفِرُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَيَكُونُ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِحْدَادَ وَنَحْوَهُ مِمَّا تَتَزَيَّنُ بِهِ الْمَرْأَةُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ عَنْ تَغْيِيرِ الْخِلْقَةِ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَا يُوجِبُ سُوءَ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ