فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الدواء بالعجوة للسحر

( قَولُهُ بَابُ الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ)
الْعَجْوَةُ ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ وَأَلْيَنِهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ هُوَ من وسط التَّمْر.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ الْعَجْوَةُ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَكْبَرُ مِنَ الصَّيْحَانِيِّ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ وَهُوَ مِمَّا غَرَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ هَذَا الْأَخِيرَ الْقَزَّازُ



[ قــ :5459 ... غــ :5768] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَلِيٌّ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَلَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ لَكِنْ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ عبد الله يَعْنِي بن الْمَدِينِيِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ اللَّبِقِيُّ وَمَا عَرَفْتُ سَلَفَهُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مَرْوَانُ هُوَ بن مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  هَاشِمٌ هُوَ بن هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَامِرُ بن سعد هُوَ بن عَمِّ أَبِيهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ سَمِعْتُ عَامِرًا سَمِعْتُ سَعْدًا وَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ سعد بن أبي وَقاص قَوْله من اصْطَبَحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ مَنْ تَصَبَّحَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ جُمْعَةَ عَنْ مَرْوَانَ الْمَاضِيَةِ فِي الْأَطْعِمَة وَكَذَا لمُسلم عَن بن عُمَرَ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى التَّنَاوُلِ صَبَاحًا وَأَصْلُ الصَّبُوحِ وَالِاصْطِبَاحِ تَنَاوُلُ الشَّرَابِ صُبْحًا ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْأَكْلِ وَمُقَابِلُهُ الْغَبُوقُ وَالِاغْتِبَاقُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْغِذَاءِ أَعَمَّ مِنَ الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ صَبَحْنَا الْخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفَاتٍ وَتَصَبَّحَ مُطَاوِعُ صَبَّحْتِهِ بِكَذَا إِذَا أَتَيْتَهُ بِهِ صَبَاحًا فَكَأَنَّ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْعَجْوَةَ صَبَاحًا قَدْ أَتَى بِهَا وَهُوَ مِثْلُ تَغَدَّى وَتَعَشَّى إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْغَدَاءِ أَوِ الْعِشَاءِ .

     قَوْلُهُ  كُلُّ يَوْمٍ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ كَذَا أُطْلِقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَوَقَعَ مُقَيَّدًا فِي غَيْرِهَا فَفِي رِوَايَة جُمُعَة وبن أَبِي عُمَرَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ دُحَيْمٍ عَنْ مَرْوَانَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فِي الْبَابِ وَوَقَعَ مُقَيَّدًا بِالْعَجْوَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَزَادَ أَبُو ضَمْرَةَ فِي رِوَايَتِهِ التَّقْيِيدَ بِالْمَكَانِ أَيْضًا وَلَفْظُهُ مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ مِنْ تَمْرِ الْعَالِيَةِ وَالْعَالِيَةُ الْقُرَى الَّتِي فِي الْجِهَةِ الْعَالِيَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهِيَ جِهَةُ نَجْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ بَيَانُ مِقْدَارِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَلِلزِّيَادَةِ شَاهِدٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءٌ فِي أَوَّلِ الْبُكْرَةِ وَوَقَعَ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي طُوَالَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ وَأَرَادَ لَابَّتَيِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ بِهَا .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ السُّمُّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مُثَلَّثُ السِّينِ وَالسِّحْرُ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُ الْقَوْلِ فِيهِ قَرِيبًا وَقَولُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ظَرْفٌ وَهُوَ مَعْمُولٌ لِيَضُرَّهُ أَوْ صِفَةٌ لِسِحْرٍ وَقَولُهُ إِلَى اللَّيْلِ فِيهِ تَقْيِيد الشِّفَاء الْمُطلق فِي رِوَايَة بن أَبِي مُلَيْكَةَ حَيْثُ قَالَ شِفَاءُ أَوَّلِ الْبُكْرَةِ فِي أَوْ تِرْيَاقٌ وَتَرَدُّدُهُ فِي تِرْيَاقٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْبُكْرَةُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ يُوَافِقُ ذِكْرَ الصَّبَاحِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ وَالشِّفَاءُ أَشْمَلُ مِنَ التِّرْيَاقِ يُنَاسِبُ ذِكْرَ السُّمِّ وَالَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ شَيْئَانِ السِّحْرُ وَالسُّمُّ فَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ الْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهِيَ شِفَاء من السم وَهَذَا يُوَافق رِوَايَة بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَالتِّرْيَاقُ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَقَدْ تُضَمُّ وَقَدْ تُبْدَلُ الْمُثَنَّاةُ دَالًا أَوْ طَاءً بِالْإِهْمَالِ فِيهِمَا وَهُوَ دَوَاءٌ مُرَكَّبٌ مَعْرُوفٌ يُعَالَجُ بِهِ الْمَسْمُومُ فَأُطْلِقَ عَلَى الْعَجْوَةِ اسْمُ التِّرْيَاقِ تَشْبِيهًا لَهَا بِهِ.
وَأَمَّا الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ إِلَى اللَّيْلِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ السِّرَّ الَّذِي فِي الْعَجْوَةِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ السِّحْرِ وَالسُّمِّ يَرْتَفِعُ إِذَا دَخَلَ اللَّيْلُ فِي حَقِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إِطْلَاقُ الْيَوْمِ عَلَى مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولُ اللَّيْلِ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ هَلْ يَكُونُ كَمَنْ تَنَاوَلَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ حَتَّى يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُ السُّمِّ وَالسِّحْرِ إِلَى الصَّبَاحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ خُصُوصِيَّةُ ذَلِكَ بِالتَّنَاوُلِ أَوَّلَ النَّهَارِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْغَالِبُ أَنَّ تَنَاوُلَهُ يَقَعُ عَلَى الرِّيقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَنْ تَنَاوَلَ اللَّيْلَ عَلَى الرِّيقِ كَالصَّائِمِ وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا الْمُوَاظَبَةُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ مُقَيَّدًا فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَة فِي سبع غدوات وَأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ عَن هِشَام مَرْفُوعا وَذكر بن عَدِيٍّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ تَفَرُّدَهُ بِرَفْعِهِ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ فِي الْمُتَابَعَاتِ .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ سَبْعُ تَمَرَاتٍ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ يَعْنِي غَيْرَ حَدِيثِ عَلِيٍّ انْتَهَى وَالْغَيْرُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ جُمْعَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْهُ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ مِمَّنْ رَوَاهُ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ سَبْعُ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ بِزِيَادَةِ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ فِي تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ الْإِضَافَةُ فَتُخْفَضُ كَمَا تَقُولُ ثِيَابُ خَزٍّ وَيَجُوزُ التَّنْوِينُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ صِفَةٌ لِسَبْعٍ أَوْ تَمَرَاتٍ وَيَجُوزُ النَّصْبُ مُنَوَّنًا عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَوْنُ الْعَجْوَةِ تَنْفَعُ مِنَ السُّمِّ وَالسِّحْرِ إِنَّمَا هُوَ بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَمْرِ الْمَدِينَة لَا لخاصية فِي التَّمْر.

     وَقَالَ  بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَخْلًا خَاصًّا بِالْمَدِينَةِ لَا يُعْرَفُ الْآنَ.

     وَقَالَ  بَعْضُ شُرَّاحِ المصابيح نَحوه وَأَن ذَلِكَ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِزَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يُبْعِدُهُ وَصْفُ عَائِشَةَ لِذَلِكَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَشَارِقِ أَمَّا تَخْصِيصُ تَمْرِ الْمَدِينَةِ بِذَلِكَ فَوَاضِحٌ مِنْ أَلْفَاظِ الْمَتْنِ.
وَأَمَّا تَخْصِيصُ زَمَانِهِ بِذَلِكَ فَبَعِيدٌ.
وَأَمَّا خُصُوصِيَّةُ السَّبْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِسِرٍّ فِيهَا وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وِتْرًا.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فِي طَريقَة عِلْمِ الطِّبِّ وَلَوْ صَحَّ أَنْ يَخْرُجَ لِمَنْفَعَةِ التَّمْرِ فِي السُّمِّ وَجْهٌ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى إِظْهَارِ وَجْهِ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ السَّبْعُ وَلَا عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْعَجْوَةُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ لِأَهْلِ زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة أَو لأكثرهم إِذا لَمْ يَثْبُتِ اسْتِمْرَارُ وُقُوعِ الشِّفَاءِ فِي زَمَانِنَا غَالِبا وَأَن وجد فِي الْأَكْثَرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ وَصْفَ غَالِبِ الْحَالِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ تَخْصِيصُهُ ذَلِكَ بِعَجْوَةِ الْعَالِيَةِ وَبِمَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ يَرْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ وَيَكُونُ خُصُوصًا لَهَا كَمَا وُجِدَ الشِّفَاءُ لِبَعْضِ الْأَدْوَاءِ فِي الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْبِلَادِ دُونَ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي غَيْرِهِ لِتَأْثِيرٍ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَرْضِ أَوِ الْهَوَاءِ قَالَ.
وَأَمَّا تَخْصِيصُ هَذَا الْعَدَدِ فَلِجَمْعِهِ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْإِشْفَاعِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى نِصْفِ الْعَشَرَةِ وَفِيهِ أَشْفَاعٌ ثَلَاثَةٌ وأَوْتَارٌ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ مِنْ نَمَطِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْب سبعا وَقَوله تَعَالَى سبع سنابل وَكَمَا أَنَّ السَّبْعِينَ مُبَالَغَةٌ فِي كَثْرَةِ الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعَمِائَةِ مُبَالَغَةٌ فِي كَثْرَةِ الْمِئِينَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ بِمَا ذُكِرَ.
وَأَمَّا خُصُوصُ كَوْنِ ذَلِكَ سَبْعًا فَلَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ كَمَا فِي أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَنُصُبِ الزَّكَوَاتِ قَالَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ وَعِيَاضٌ بِكَلَامٍ بَاطِلٍ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ انْتَهَى وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مِنْ كَلَامِهِمَا مَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ بَلْ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ يُشِيرُ إِلَى مُحَصَّلِّ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَفِي كَلَامِ عِيَاضٍ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُنَاسَبَةِ فَقَطْ وَالْمُنَاسَبَاتُ لَا يُقْصَدُ فِيهَا التَّحْقِيقُ الْبَالِغُ بَلْ يُكْتَفَى مِنْهَا بِطُرُقِ الْإِشَارَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ خُصُوصِيَّةُ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ بِدَفْعِ السُّمِّ وَإِبْطَالِ السِّحْرِ وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْخَوَاصِّ الَّتِي لَا تُدْرَكُ بِقِيَاسٍ ظَنِّيٍّ وَمِنْ أَئِمَّتِنَا مَنْ تَكَلَّفَ لِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ السَّمُومَ إِنَّمَا تَقْتُلُ لِإِفْرَاطِ بُرُودَتِهَا فَإِذَا دَاوَمَ عَلَى التَّصَبُّحِ بِالْعَجْوَةِ تَحَكَّمَتْ فِيهِ الْحَرَارَةُ وَأَعَانَتْهَا الْحَرَارَةُ الْغَرِيزِيَّةُ فَقَاوَمَ ذَلِكَ بُرُودَةَ السُّمِّ مَا لَمْ يُسْتَحْكَمْ قَالَ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ خُصُوصِيَّةِ عَجْوَة الْمَدِينَة بل خُصُوصِيَّة الْعَجْوَة مُطلقًا بَلْ خُصُوصِيَّةُ التَّمْرِ فَإِنَّ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْحَارَّةِ مَا هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَوْلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِعَجْوَةِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِزَمَانِ نُطْقِهِ أَوْ فِي كُلِّ زَمَانٍ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَيَرْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ التَّجْرِبَةُ الْمُتَكَرِّرَةُ فَمَنْ جَرَّبَ ذَلِكَ فَصَحَّ مَعَهُ عُرْفٌ أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ وَإِلَّا فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ.
وَأَمَّا خُصُوصِيَّةُ هَذَا الْعَدَدِ فَقَدْ جَاءَ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ مِنَ الطِّبِّ كَحَدِيثِ صُبُّوا عَليّ من سبع قرب وَقَوله للمفؤد الَّذِي وَجَّهَهُ لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ أَنْ يَلُدَّهُ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ وَجَاءَ تَعْوِيذُهُ سَبْعُ مَرَّاتٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الطِّبِّ فَكَثِيرٌ فَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ فِي مَعْرِضِ التَّدَاوِي فَذَلِكَ لِخَاصِّيَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمَا جَاءَ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَعْرِضِ التَّدَاوِي فَإِنَّ الْعَرَبَ تضع هذاالعدد مَوْضِعَ الْكَثْرَةِ وَإِنْ لَمْ تُرِدْ عَدَدًا بِعَيْنِهِ.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ عَجْوَةُ الْمَدِينَةِ مِنْ أَنْفَعِ تَمْرِ الْحِجَازِ وَهُوَ صِنْفٌ كَرِيمٌ مُلَزَّزٌ مَتِينُ الْجِسْمِ وَالْقُوَّةِ وَهُوَ مِنْ أَلْيَنِ التَّمْرِ وَأَلَذِّهِ قَالَ وَالتَّمْرُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَكْثَرِ الثِّمَارِ تَغْذِيَةً لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَوْهَرِ الْحَارِّ الرَّطْبِ وَأَكْلُهُ عَلَى الرِّيقِ يَقْتُلُ الدِّيدَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ التِّرْيَاقِيَّةِ فَإِذَا أُدِيمَ أَكْلُهُ عَلَى الرِّيقِ جَفَّفَ مَادَّةَ الدُّودِ وَأَضْعَفَهُ أَوْ قَتَلَهُ انْتَهَى وَفِي كَلَامِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنَ السُّمِّ وَهُوَ مَا يَنْشَأُ عَنِ الدِّيدَانِ الَّتِي فِي الْبَطْنِ لَا كُلُّ السَّمُومِ لَكِنْ سِيَاقُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاق النَّفْي وعَلى تَقْدِيم التَّسْلِيمِ فِي السُّمِّ فَمَاذَا يَصْنَعُ فِي السِّحْرِ