فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب كنية المشرك

(قَولُهُ بَابُ كُنْيَةِ الْمُشْرِكِ)
أَيْ هَلْ يَجُوزُ ابْتِدَاءً وَهَلْ إِذَا كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ تَجُوزُ مُخَاطَبَتُهُ أَوْ ذِكْرُهُ بِهَا وَأَحَادِيثُ الْبَابِ مُطَابِقَةٌ لِهَذَا الْأَخِيرِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الثَّانِي فِي الْحُكْمِ قَوْله.

     وَقَالَ  مسور هُوَ بن مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيُّ كَذَا لِلْجَمِيعِ إِلَّا النَّسَفِيَّ فَسَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَوَقَعَ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ.

     وَقَالَ  الْمِسْوَرُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَن يُرِيد بن أَبِي طَالِبٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ فَرْضِ الْخُمُسِ



[ قــ :5878 ... غــ :6207] .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّنَدِ الَّذِي قَبْلَهُ وَسَاقَ الْمَتْنَ عَلَى لَفْظِهِ وَسُلَيْمَانُ هُوَ بن بِلَالٍ وَقَولُهُ عَنْ عُرْوَةَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَتَقَدَّمَ سِيَاقُ لَفْظِ شُعَيْبٍ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ وَهِيَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَكَانَ حِينَئِذٍ لَمْ يُظْهِرِ الْإِسْلَامَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَظَاهِرٌ فِي آخِره ثمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ قُبَيْلَ الْإِسْرَاءِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِإِيرَادِهِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا سَمِعَهُ وَأَقَرَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ تَكْنِيَةُ الْكَافِرِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ أَبِي طَالِبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ.

     وَقَالَ  الله تَعَالَى تبت يدا أبي لَهب ثمَّ ذكر الحَدِيث الثَّانِي وَقَوله فِيهِ أَبُو حُبَابٍ قَالَ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا وُجِدَ فِيهِ الشَّرْطُ وَهُوَ أَنْ لَا يُعْرَفَ إِلَّا بِكُنْيَتِهِ أَوْ خِيفَ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهِ فِتْنَةٌ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَلَمْ يُكَنِّهِ وَلَا لَقَّبَهُ بِلَقَبِهِ وَهُوَ قَيْصَرُ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ فَلَا نُكَنِّيهِمْ وَلَا نُلِينُ لَهُمْ قَوْلًا وَلَا نُظْهِرُ لَهُمْ وُدًّا وَقَدْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَ بَلْ قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي ذِكْرِهِ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ وَهُوَ بِاسْمِهِ أَشْهَرُ لَيْسَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَإِنَّ الَّذِي ذُكِرَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ كَانَ قَوِيًّا فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُخْشَى مَعَهُ أَنْ لَوْ ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بِاسْمِهِ أَنْ يَجُرَّ بِذَلِكَ فِتْنَةً وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأَلُّفِ كَمَا جَزَمَ بِهِ بن بَطَّالٍ فَقَالَ فِيهِ جَوَازُ تَكْنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى وَجْهِ التَّأَلُّفِ إِمَّا رَجَاءَ إِسْلَامِهِمْ أَوْ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا تَكْنِيَةُ أَبِي طَالِبٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اشْتِهَارُهُ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ.
وَأَمَّا تَكْنِيَةُ أَبِي لَهَبٍ فَقَدْ أَشَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ إِلَى احْتِمَالٍ رَابِعٍ وَهُوَ اجْتِنَابُ نِسْبَتِهِ إِلَى عُبُودِيَّةِ الصَّنَمِ لِأَنَّهُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى وَهَذَا سَبَقَ إِلَيْهِ ثَعْلَب وَنَقله عَنهُ بن بَطَّالٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ إِنَّمَا ذُكِرَ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهب قيل وَإِن تكنيته بذلك من جِهَة التحنيس لِأَن ذَلِك من جملَة البلاغة أَو للمجازاة أُشِيرَ إِلَى أَنَّ الَّذِي نَفْخَرُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْجَمَالِ وَالْوَلَدِ كَانَ سَبَبًا فِي خزيه وعقابه وَحكى بن بَطَّالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ اسْمُ أَبِي لَهَبٍ عَبْدَ الْعُزَّى وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُتْبَةَ.
وَأَمَّا أَبُو لَهَبٍ فَلَقَبٌ لُقِّبَ بِهِ لِأَن وَجهه كَانَ يتلألأ ويلتهب قَالَ فَهُوَ لَقَبٌ وَلَيْسَ بِكُنْيَةٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ اللَّقَبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ لِلْكَافِرِ لَمْ يَصْلُحْ مِنَ الْمُسْلِمِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ هَذِهِ التَّكْنِيَةُ لَيْسَتْ لِلْإِكْرَامِ بَلْ لِلْإِهَانَةِ إِذْ هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَهَنَّمِيِّ إِذْ مَعْنَاهُ تَبَّتْ يَدَا الْجَهَنَّمِيِّ فَهُوَ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لَا نَظَرَ فِيهَا إِلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلِ الِاسْمُ إِذَا صدر بِأم أَو أبي فَهُوَ كُنْيَةٌ سَلَّمْنَا لَكِنَّ اللَّهَبَ لَا يَخْتَصُّ بِجَهَنَّمَ وَإِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ أَنَّ النُّكْتَةَ فِي ذِكْرِهِ بِكُنْيَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَآلَهُ إِلَى النَّارِ ذَاتِ اللَّهَبِ وَوَافَقَتْ كُنْيَتُهُ حَالَهُ حَسُنَ أَنْ يُذْكَرَ بِهَا.
وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ النَّوَوِيُّ مِنَ الْكِتَابِ إِلَى هِرَقْلَ فَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ ذِكْرُهُ بِعَظِيمِ الرُّومِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِالتَّعْظِيمِ وَاللَّقَبُ لِغَيْرِ الْعَرَبِ كَالْكُنَى لِلْعَرَبِ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرْعٌ إِذَا كَتَبَ إِلَى مُشْرِكٍ كِتَابًا وَكَتَبَ فِيهِ سَلَامًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ كَمَا كَتَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ فَذَكَرَ الْكِتَابَ وَفِيهِ عَظِيمُ الرُّومِ وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ وَقَدْ جَمَعَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نُكَتٍ لَهُ عَلَى الْأَذْكَارِ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَظِيمُ الرُّومِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِهِرَقْلَ فَإِنَّهُ عَظِيمُهُمْ فَاكْتَفَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ مَلِكُ الرُّومِ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَهَا لَأَمْكَنَ هِرَقْلَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَا فِي أَنَّهُ قره عَلَى الْمَمْلَكَةِ قَالَ وَلَا يَرِدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ مِصْرَ.

     وَقَالَ  الْمَلِكُ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ أَمْرٍ مَضَى وَانْقَضَى بِخِلَافِ هِرَقْلَ انْتَهَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ أَنَّ ذِكْرَ عَظِيمِ الرُّومِ وَالْعُدُولَ عَنْ مَلِكِ الرُّومِ حَيْثُ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى اسْمِهِ لِأَنَّ مَنْ يَتَسَمَّى بِهِرَقْلَ كَثِيرٌ فَقِيلَ عَظِيمُ الرُّومِ لِيُمَيَّزَ عَمَّنْ يَتَسَمَّى بِهِرَقْلَ فَعَلَى هَذَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ لِكُلِّ مَلِكٍ مُشْرِكٍ بِلَفْظِ عَظِيمِ قَوْمِهِ إِلَّا إِنِ احْتِيجَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ وَعَلَى عُمُومِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّأَلُّفِ أَوْ مِنْ خَشْيَةِ الْفِتْنَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ بِلَا تَقْيِيدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا ذُكِرَ قَيْصَرُ وَأَنَّهُ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُلُوكِ كَكِسْرَى لِمَلِكِ الْفُرْسِ وَخَاقَانَ لِمَلِكِ التُّرْكِ وَالنَّجَاشِيِّ لِمَلِكِ الْحَبَشَةِ وَتُبَّعٍ لِمَلِكِ الْيَمَنِ وبطيلوس لِمَلِكِ الْيُونَانِ وَالْقَطَنُونِ لِمَلِكِ الْيَهُودِ وَهَذَا فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لَهُ رَأْسُ الْجَالُوتِ وَنُمْرُودُ لِمَلِكِ الصَّابِئَةِ وَدَهْمِي لِمَلِكِ الْهِنْدِ وَقُورُ لِمَلِكِ السِّنْدِ وَيَعْبُورُ لِمَلِكِ الصِّينِ وَذُو يَزِنَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَذْوَاءِ لِمَلِكِ حِمْيَرَ وَهَيَاجُ لِمَلِكِ الزَّنْجِ وَزِنْبِيلُ لِمَلِكِ الْخَزَرِ وَشَاهْ أَرْمَنَ لِمَلِكِ أَخْلَاطَ وَكَابِلَ لِمَلِكِ النُّوبَةِ وَالْأَفْشِينُ لِمَلِكِ فَرْغَانَةَ وَأُسْرُوسَنَةَ وَفِرْعَوْنُ لِمَلِكِ مِصْرَ وَالْعَزِيزُ لِمَنْ ضَمَّ إِلَيْهَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَجَالُوتُ لِمَلِكِ الْعَمَالِقَةِ ثُمَّ الْبَرْبَرِ وَالنُّعْمَانُ لِمَلِكِ الْغَرْبِ مِنْ قِبَلِ الْفُرْسِ نُقِلَ أَكْثَرُ هَذَا الْفَصْلِ مِنَ السِّيرَةِ لِمُغَلْطَايَ وَفِي بعضه نظر (