فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصلاة إلى الراحلة، والبعير والشجر والرحل

( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ)
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِأَنْ يُوضَعَ الرَّحْلُ عَلَيْهَا.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ الْمَرْكُوبُ النَّجِيبُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالْبَعِيرُ يُقَالُ لِمَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ .

     قَوْلُهُ  وَالشَّجَرُ وَالرَّحْلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الرَّاحِلَةُ وَالرَّحْلُ فَكَأَنَّهُ أَلْحَقَ الْبَعِيرَ بِالرَّاحِلَةِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ انْتَهَى فَإِنْ كَانَ هَذَا حَدِيثًا آخَرَ حَصَلَ الْمَقْصُود وَإِن كَانَ مُخْتَصرا من الأول كَانَ يَكُونَ الْمُرَادُ يُصَلِّي إِلَى مُؤَخِّرَةِ رَحْلِ بَعِيرِهِ اتَّجَهَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق إِن بن عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى بَعِيرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ رَحْلٌ وَسَأَذْكُرُهُ بَعْدُ وَأُلْحِقَ الشَّجَرُ بِالرَّحْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا فِينَا إِنْسَانٌ إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَة يَدْعُو حَتَّى أصبح رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ



[ قــ :494 ... غــ :507] .

     قَوْلُهُ  يُعَرِّضُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَجْعَلُهَا عَرْضًا .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ أَفَرَأَيْتَ ظَاهره أَنه كَلَام نَافِع والمسؤول بن عُمَرَ لَكِنْ بَيَّنَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَلَامُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْمَسْئُولُ نَافِعٌ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ فَاعِلَ يَأْخُذُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ نَافِعٌ .

     قَوْلُهُ  هَبَّتِ الرِّكَابُ أَيْ هَاجَتِ الْإِبِلُ يُقَالُ هَبَّ الْفَحْلُ إِذَا هَاجَ وَهَبَّ الْبَعِيرُ فِي السَّيْرِ إِذَا نَشِطَ وَالرِّكَابُ الْإِبِلُ الَّتِي يُسَارُ عَلَيْهَا وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا هَاجَتْ شَوَّشَتْ عَلَى الْمُصَلِّي لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا فَيَعْدِلُ عَنْهَا إِلَى الرَّحْلِ فَيَجْعَلُهُ سُتْرَةً وَقَولُهُ فَيَعْدِلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهُ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ يُقِيمهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ وَقَولُهُ إِلَى أَخَرَتِهِ بِفَتَحَاتٍ بِلَا مَدٍّ وَيَجُوزُ الْمَدُّ وَمُؤْخِرَتِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ.
وَأَمَّا الْخَاءُ فَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَسْرِهَا وَجوز الْفَتْح وَأنكر بن قُتَيْبَة الْفَتْح وَعكس ذَلِك بن مَكِّيٍّ فَقَالَ لَا يُقَالُ مُقْدِمٌ وَمُؤْخِرٌ بِالْكَسْرِ إِلَّا فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَيُقَالُ بِالْفَتْحِ فَقَطْ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ الرَّحْلِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الرَّاكِبُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسَتُّرِ بِمَا يَسْتَقِرُّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَعَاطِنَ مَوَاضِعُ إِقَامَتِهَا عِنْدَ الْمَاءِ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ عِنْدَهَا إِمَّا لِشَدَّةِ نَتَنِهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَلَّوْنَ بَيْنَهَا مستترين بهَا انْتَهَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْإِبِلِ خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَنَظِيرُهُ صَلَاتُهُ إِلَى السَّرِيرِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ لِكَوْنِ الْبَيْتِ كَانَ ضَيِّقًا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يُسْتَتَرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ أَيْ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى بَعِيرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ رَحْلٌ وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَالِ شَدِّ الرَّحْلِ عَلَيْهَا أَقْرَبُ إِلَى السُّكُونِ مِنْ حَالِ تَجْرِيدِهَا تَكْمِلَةٌ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ مُؤَخِّرَةَ الرَّحْلِ فِي مِقْدَارِ أَقَلِّ السُّتْرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ فَقِيلَ ذِرَاعٌ وَقِيلَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَهُوَ أَشْهَرُ لَكِنْ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ مُؤَخِّرَةَ رَحل بن عمر كَانَت قدر ذِرَاع