فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا

( قَولُهُ بَابُ لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا)
كَذَا لَهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَلَوْ كَانَ بِفَتْحِهِ لَنَصَبَ الْمُحَارِبُونَ وَكَانَ رَاجِعًا إِلَى فَاعِلٍ يَحْسِمُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَوْرَدَ فِيهِ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ تَامًّا



[ قــ :6451 ... غــ :6804] .

     قَوْلُهُ  حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ بِالْفَاءِ وَهِيَ أَوْجَهُ وَحكى بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَرْكِ سَقْيِهِمْ كُفْرُهُمْ نِعْمَةَ السَّقْيِ الَّتِي أَنْعَشَتْهُمْ مِنَ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ بِهِمْ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ آخر يُؤْخَذ مِمَّا أخرجه بن وَهْبٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا بَلَغَهُ مَا صَنَعُوا عَطَّشَ اللَّهُ مَنْ عَطَّشَ آلَ مُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ قَالَ فَكَانَ تَرْكُ سَقْيِهِمْ إِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قُلْتُ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ عَاقَبَهُمْ بِذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ سَمَلَهُمْ لِكَوْنِهِمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ وَإِنَّمَا تَرَكَهُمْ حَتَّى مَاتُوا لِأَنَّهُ أَرَادَ إِهْلَاكَهُمْ كَمَا مَضَى فِي الْحَسْمِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ تَرْكَهُمْ بِلَا سَقْيٍ لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالُوا أَبْغِنَا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ أَيِ اطْلُبْ لَنَا يُقَالُ أَبْغَاهُ كَذَا طَلَبَهُ لَهُ وَقَولُهُ رِسْلًا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَبَنًا وَقَولُهُ مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ تَجْرِيدٌ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ بِإِبِلِي وَلَكِنَّهُ كَقَوْلِ كَبِيرِ الْقَوْمِ يَقُولُ لَكُمُ الْأَمِيرُ مَثَلًا وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَلِيفَةِ يَقُولُ لَكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَقَدَّمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَهُوَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِلَفْظِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ تَرْعَى وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَدَلَّ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ عَلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ وَقِيلَ بَلِ الْكُلُّ إِبِلُ الصَّدَقَةِ وَإِضَافَتُهَا إِلَيْهِ إِضَافَةُ التَّبَعِيَّةِ لِكَوْنِهِ تَحْتَ حُكْمِهِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا ذُكِرَ قَرِيبًا مِنْ تَعْطِيشِ آلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يتناولون الصَّدَقَة