فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب

( قَولُهُ بَابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ أَخُوهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ)
جَوَابُ الشَّرْطِ يَأْتِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ فَإِنَّهُ أَيِ الْمُسْلِمَ يَذُبُّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَدْفَعُ عَنْهُ الظَّالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ أَيْ عَنْهُ وَلَا يَخْذُلُهُ قَالَ بن بَطَّالٍ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ إِنْ لَمْ يَحْلِفْهَا قُتِلَ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُوَرِّيَ فَلَمَّا تَرَكَ التَّوْرِيَةَ صَارَ قَاصِدًا لِلْيَمِينِ فَيَحْنَثُ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فَنِيَّتُهُ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَرَادَ لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ قَالَ وَالدِّيَةُ تُسَمَّى أَرْشًا.

قُلْتُ وَالْأَوْلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا قِصَاصَ تَأْكِيدٌ أَوْ أَطْلَقَ الْقَوَدَ عَلَى الدِّيَةِ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَاتَلَ عَنْ رَجُلٍ خَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ فَقُتِلَ دُونَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَفِيهِ



[ قــ :6585 ... غــ :6951] وَلَا يُسْلِمُهُ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ انْصُرْ أَخَاكَ وَبِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ بن الْقَاسِمِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بَان فِيهِ النَّدْبَ إِلَى النَّصْرِ وَلَيْسَ فِيهِ الْإِذْنُ بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّجه قَول بن بَطَّالٍ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى تَخْلِيصِ الْمَظْلُومِ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ دَفْعُ الظُّلْمِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ فَإِذَا دَافَعَ عَنْهُ لَا يَقْصِدُ قَتْلَ الظَّالِمِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ دَفْعَهُ فَلَوْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى الظَّالِمِ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْميتَة أَو لتبيعن عَبْدَكَ أَوْ لَتُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ هِبَةً أَو تحل عقدَة أَو لتقتلن أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَسِعَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ بِحَلِّ الْعُقْدَةِ فَسْخُهَا وَقُيِّدَ الْأَخُ بِالْإِسْلَامِ لِيَكُونَ أَعَمَّ مِنَ الْقَرِيبِ وَسِعَهُ ذَلِكَ أَيْ جَازَ لَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ لِيُخَلِّصَ أَبَاهُ وَأَخَاهُ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ مَا مُلَخَّصُهُ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَنْ هُدِّدَ بِقَتْلِ وَالِدِهِ أَوْ بِقَتْلِ أَخِيهِ فِي الْإِسْلَامِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي أَوْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْ يَهَبْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ أَوْ يَحُلُّ عَقْدًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ جَمِيعَ مَا هُدِّدَ بِهِ لِيَنْجُوَ أَبُوهُ مِنَ الْقَتْلِ وَكَذَا أَخُوهُ الْمُسْلِمُ مِنَ الظُّلْمِ وَدَلِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مَوْصُولًا وَمُعَلَّقًا وَنَبَّهَ بن التِّينِ عَلَى وَهْمٍ وَقَعَ لِلدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّاوُدِيَّ وَهِمَ فِي إِيرَادِ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ فَجَعَلَ قَوْلَهُ لَتَقْتُلَنَّ بِالتَّاءِ وَجَعَلَ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ وَسِعَهُ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ ذَلِكَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ لَا يَسَعُهُ فِي قَتْلِ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَصَوَابٌ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ وَاخْتُلِفَ فِي الشُّرْبِ وَالْأكل قَالَ بن التِّينِ قَرَأَ لَتَقْتُلَنَّ بِتَاءِ الْمُخَاطَبَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنُّونِ .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لتقتلن ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَسَعْهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ إِنْ قِيلَ لَهُ لَتَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ لَتُقِرَّنَّ بِدَيْنٍ أَوْ بِهِبَةٍ يَلْزَمُهُ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذَلِكَ بَاطِل قَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَاهُ أَنَّ ظَالِمًا لَوْ أَرَادَ قَتْلَ رَجُلٍ فَقَالَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ مَثَلًا إِنْ لَمْ تَشْرَبِ الْخَمْرَ أَوْ تَأْكُلِ الْمَيْتَةَ قَتَلْتُ أَبَاكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ قَتَلْتُ ابْنَكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ لَكَ فَفَعَلَ لَمْ يَأْثَمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ لَا فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ حَتَّى يَدْفَعَ عَنْ غَيْرِهِ بَلِ اللَّهُ سَائِلٌ الظَّالِمَ وَلَا يُؤَاخَذُ الِابْنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الدَّفْعِ إِلَّا بِارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ ارْتِكَابُهُ قَالَ وَنَظِيرُهُ فِي الْقِيَاسِ مَا لَوْ قَالَ إِنْ لَمْ تَبِعْ عَبْدَكَ أَوْ تُقِرَّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبْ هِبَةً أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَنْعَقِدُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْتَكِبَ الْمَعْصِيَةَ فِي الدَّفْعِ عَنْ غَيْرِهِ ثُمَّ نَاقَضَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُقُودِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَخَالَفَ قِيَاسَ قَوْلِهِ بِالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَهُ فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ يَعْنِي أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذِي رَحِمٍ بِخِلَافِ مَذْهَبهم فِي الْأَجْنَبِيّ فَلَو قيل لرجل لتقتلن هَذَا الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ أَوْ لَتَبِيعَنَّ كَذَا فَفَعَلَ لِيُنَجِّيَهُ مِنَ الْقَتْلِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فِي ذِي رَحِمِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا عَقَدَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ اللُّزُومُ فِي الْجَمِيعِ قِيَاسًا لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَنْ لَهُ مِنْهُ رَحِمٌ اسْتِحْسَانًا وَرَأَى الْبُخَارِيُّ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لَا النَّسَبِ وَلِذَلِكَ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ هَذِهِ أُخْتِي وَالْمُرَادُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَنِكَاحُ الْأُخْتِ كَانَ حَرَامًا فِي مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذِهِ الْأُخُوَّةُ تُوجِبُ حِمَايَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَالدَّفْعَ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا عَقَدَهُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ لِلدَّفْعِ عَنْهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لنقتلنك فَإِنَّهُ يَسَعُهُ إِتْيَانُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْإِثْمُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَرَّرَ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ بِأَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِي الْإِكْرَاهَ فَكَمَا لَا إِكْرَاهَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْقَتْلُ كَذَلِكَ لَا إِكْرَاهَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعِتْقُ فَحَيْثُ قَالُوا بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ اسْتِحْسَانًا فَقَدْ نَاقَضُوا إِذْ يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالْإِكْرَاهِ وَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ.

قُلْتُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا أَثْبَتُوهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فِي الْجَمِيعِ لَكِنِ اسْتَحْسَنُوا فِي أَمْرِ الْمَحْرَمِ لِمَعْنًى قَامَ بِهِ وَقَولُهُ فِي أَوَّلِ التَّقْرِيرِ فِي أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَوْ فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَأَنَّهَا أَمْثِلَةٌ لَا مِثَالٌ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَقَولُهُ أَيِ الْبُخَارِيُّ إِنَّ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهِ شَيْءٌ قَالُوهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ أَيْ لَيْسَ فِيهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ أَيْضًا كَلَامٌ اسْتِحْسَانِيٌّ قَالَ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ لِوَضْعِ هَذَا الْكِتَابِ إِذْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ فَنِّهِ.

قُلْتُ وَهُوَ عَجَبٌ مِنْهُ لِأَنَّ كِتَابَ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إِيرَادَ الْأَحَادِيثِ نَقْلًا صِرْفًا بَلْ ظَاهِرُ وَضْعِهِ أَنَّهُ يُجْعَلُ كِتَابًا جَامِعًا لِلْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا وَفِقْهُهُ فِي تَرَاجِمِهِ فَلِذَلِكَ يُورِدِ فِيهِ كَثِيرًا الِاخْتِلَافَ الْعَالِيَ وَيُرَجِّحُ أَحْيَانًا وَيَسْكُتُ أَحْيَانًا تَوَقُّفًا عَنِ الْجَزْمِ بِالْحُكْمِ وَيُورِدُ كَثِيرًا مِنِ التَّفَاسِيرِ وَيُشِيرُ فِيهِ إِلَى كَثِيرٍ مِنِ الْعِلَلِ وَتَرْجِيحِ بَعْضِ الطُّرُقِ عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا أَوْرَدَ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الْمَبَاحِثِ لَمْ تُسْتَغْرَبْ.
وَأَمَّا رَمْزُهُ إِلَى أَنَّ طَرِيقَةَ الْبَحْثِ لَيْسَتْ مِنْ فَنِّهِ فَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا فَلِلْبُخَارِيِّ أُسْوَةٌ بِالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْحُمَيْدِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ فَهَذِهِ طَرِيقَتُهُمْ فِي الْبَحْثِ وَهِيَ مُحَصِّلَةٌ لِلْمَقْصُودِ وَإِنْ لَمْ يَعْرُجُوا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِامْرَأَتِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِسَارَّةَ .

     قَوْلُهُ  هَذِهِ أُخْتِي وَذَلِكَ فِي اللَّهِ هَذَا طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَسَارَّةَ مَعَ الْجَبَّارِ وَقَدْ وَصَلَهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ بَلْ تقدم هُنَاكَ اثْنَتَانِ مِنْهُمَا فِي ذَاتِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي سَقِيمٌ وَقَوله بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الثَّالِثَةَ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  هَذِهِ أُخْتِي لَيْسَتْ فِي ذَاتِ اللَّهِ فَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  وَذَلِكَ فِي اللَّهِ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا مِنْ جِهَةِ مَحْضِ الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّ فِيهَا شَائِبَةَ نَفْعٍ وَحَظٍّ لَهُ وَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فِي اللَّهِ أَيْ مِنْ أَجْلِ تَوَصُّلِهِ بِذَلِكَ إِلَى السَّلَامَةِ مِمَّا أَرَادَهُ الْجَبَّارُ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّخَعِيُّ إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا اسْتُحْلِفَ الرَّجُلُ وَهُوَ مَظْلُومٌ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا نَوَى وَعَلَى مَا وَرَّى وَإِذَا كَانَ ظَالِمًا فاليمين على نِيَّة من استحلفه وَوَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِلَفْظِ إِذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَلَهُ أَنْ يُوَرِّيَ وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلَيْسَ لَهُ أَن يورى قَالَ بن بَطَّالٍ قَوْلُ النَّخَعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَهُ نِيَّةُ الْمَظْلُومِ أَبَدًا وَإِلَى مِثْلِهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ أَبَدًا.

قُلْتُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَلِفَ إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَاكِمِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى نِيَّةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحُكْمِ فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْمُسْتَحْلِفِ مَظْلُومًا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ فِي قِبَلِ رَجُلٍ فَيَجْحَدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَيَسْتَحْلِفُهُ فَتَكُونُ النِّيَّةُ نِيَّتَهُ لَا الْحَالِف فَلَا تَنْفَعهُ فِي ذَلِك التورية ثمَّ ذكر البُخَارِيّ حَدِيث بن عمر مَرْفُوعا الْمُسلم أَخُو الْمُسلم وَقد تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ مَشْرُوحًا





[ قــ :6586 ... غــ :695] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ الْبَزَّازُ بِمُعْجَمَتَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ الْمُلَقَّبُ صَاعِقَةَ وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَكْثَرِ شُيُوخِهِ وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي مَوَاضِعَ أَقْرَبُهَا فِي بَابِ مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَن هشيم فَنَزَلَ فِيهِ هُنَا دَرَجَتَيْنِ لِأَنَّ سِيَاقَهُ هُنَا أَتَمُّ وَلِمُغَايَرَةِ الْإِسْنَادِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ قَالُوا .

     قَوْلُهُ  آنْصُرُهُ مَظْلُومًا بِالْمَدِّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْمَدِّ .

     قَوْلُهُ  أَفَرَأَيْتَ أَيْ أَخْبِرْنِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ مَجَازَانِ إِطْلَاقُ الرُّؤْيَةِ وَإِرَادَةُ الْإِخْبَارِ وَالْخَبَرُ وَإِرَادَةُ الْأَمْرِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا كَانَ ظَالِمًا أَيْ كَيْفَ أَنْصُرهُ عَلَى ظُلْمِهِ .

     قَوْلُهُ  تَحْجِزُهُ بِمُهْمَلَةٍ ثمَّ جِيم ثمَّ زَاي للْأَكْثَر ولبعضهم بالراء بَدَلَ الزَّايِ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى الْمَنْعِ وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدِهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَنْعِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ هُنَاكَ وَمِنْهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَ إِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَخُذْ لَهُ بِحَقِّهِ وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَخذ لَهُ من نَفسه أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْحُكَمَاءِ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْإِكْرَاهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَسَائِرُهَا مَوْصُولٌ وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ كُلُّهَا فِيمَا مَضَى وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ تِسْعَةُ آثَار وَالله أعلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ