فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

( قَولُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ)
قَالَ بن التِّينِ مَعْنَى التَّرْجَمَةِ ظَاهِرٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلِهِ تَعَالَى لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك.

قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي التَّفْسِيرِ الْخِلَافَ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ وَأَنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الْعَسَل وهوالذي وَقَعَ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَقِيلَ فِي تَحْرِيمِ مَارِيَةَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي الطَّبَرَانِيِّ وَتَفْسِير بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ عَنِ بن أبي مليكَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ سَوْدَةَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِي آخِرِهِ فَأُنْزِلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ أَبَا عَامِرٍ وَهِمَ فِي قَوْله سَوْدَة وَذكر فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ



[ قــ :6606 ... غــ :6972] كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاق مشروحا وَذكر مَعَه حَدِيث عَائِشَة من طَرِيقُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا وَفِيهِ أَنَّ الَّتِي سَقَتْهُ الْعَسَلَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْتُشْكِلَتْ قِصَّةُ حَفْصَةَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُزُولَ ذَلِكَ كَانَ فِي حَقِّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَقَطْ لِتَكْرَارِ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ أَن تَتُوبَا وَإِن تظاهرا وَهُنَا جَاءَ فِيهِ ذِكْرُ ثَلَاثَةٍ وَجَمَعَ الْكِرْمَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قِصَّةَ حَفْصَةَ سَابِقَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلَا تَثْنِيَةٌ بِخِلَافِ قِصَّةِ زَيْنَبَ فَفِيهَا تَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْآيَة نزلت فِي ذَلِك وَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الَّتِي سَقَتْهُ الْعَسَلَ حَفْصَةُ غَلَطٌ لِأَنَّ صَفِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَظَاهَرَتْ مَعَ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَإِنَّمَا شَرِبَهُ عِنْدَ صَفِيَّةَ وَقِيلَ عِنْدَ زَيْنَبَ كَذَا قَالَ وَجَزْمُهُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا حَفْصَةُ غَلَطٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ غَلَطًا بَلْ هِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ لَا يُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ قِصَّةَ زَيْنَبَ لِصَفِيَّةَ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِزَيْنَبَ ضَعِيفٌ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَكِلَاهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَلِلدَّاوُدِيِّ عَجَائِبُ فِي شَرْحِهِ ذَكَرْتُ مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا وَمِنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ جَرَسَتْ مَعْنَاهُ تَغَيَّرَ طَعْمُ الْعَسَلِ لِشَيْءٍ يَأْكُلُهُ النَّحْلُ وَالْعُرْفُطُ مَوْضِعٌ وَتَفْسِيرُ الْجَرْسِ بِالتَّغَيُّرِ وَالْعُرْفُطِ بِالْمَوْضِعِ مُخَالِفٌ لِلْجَمِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَجَازَ ثَبَتَ هَكَذَا لَهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ أَجَزْتُ الْوَادِيَ إِذَا قَطَعْتُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَالَّتِي تَلِيهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ هُنَا جَازَ وَحَكَى بن التِّينِ جَازَ عَلَى نِسَائِهِ أَيْ مَرَّ أَوْ سَلَكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ الْمَاضِيَةِ فِي الطَّلَاقِ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَخَلَ وَقَولُهُ فِيهَا أُبَادِئُهُ بِهَمْزَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ ذَكَرْتُهُ فِيمَا مَضَى وَقَولُهُ فَرَقًا بِفَتْحِ الرَّاءِ أَي خوفًا.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ إِنَّمَا سَاغَ لَهُنَّ أَنْ يَقُلْنَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ لِأَنَّهُنَّ أَوْرَدْنَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ بِدَلِيلِ جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ لَا وَأَرَدْنَ بِذَلِكَ التَّعْرِيضَ لَا صَرِيحَ الْكَذِبِ فَهَذَا وَجْهُ الِاحْتِيَالِ الَّتِي قَالَتْ عَائِشَة لتحتالن لَهُ وَلَوْ كَانَ كَذِبًا مَحْضًا لَمْ يُسَمَّ حِيلَة إِذْ لَا شُبْهَة لصَاحبه