فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب القضاء والفتيا في الطريق

( قَولُهُ بَابُ الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ)
كَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا وَالْأَثَرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي التَّرْجَمَةِ صَرِيحَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْفُتْيَا فَيَلْحَقُ بِهِ الْحُكْمُ .

     قَوْلُهُ  وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ بِفَتْحِ الْمِيمِ هُوَ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ الْمَشْهُورُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَانْتَقَلَ إِلَى مَرْوَ بِأَمْرِ الْحَجَّاجِ فَوَلِيَ قَضَاءَ مَرْوَ لِقُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَصَاحَةِ وَالْوَرَعِ قَالَ الْحَاكِمُ قَضَى فِي أَكْثَرِ مُدُنِ خُرَاسَانَ وَكَانَ إِذَا تَحَوَّلَ إِلَى بَلَدٍ اسْتُخْلِفَ فِي الَّتِي انْتَقَلَ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ شَبَابَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ قَالَ رَأَيْتُ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ عَلَى الْقَضَاءِ بِمَرْوَ فَرُبَّمَا رَأَيْتُهُ يَقْضِي فِي السُّوقِ وَفِي الطَّرِيقِ وَرُبَّمَا جَاءَهُ الْخَصْمَانِ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ رَأَى يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ يَقْضِي فِي الطَّرِيقِ .

     قَوْلُهُ  وَقَضَى الشَّعْبِيُّ على بَاب دَاره قَالَ بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ يَقْضِي عِنْدَ بَابِ الْفِيلِ بِالْكُوفَةِ وَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ فِي الْقَضَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي السُّوقِ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَظَلَّمُوا مَنْ كَرَى لَهُمْ فَنَزَلَ فَقَضَى بَيْنَهُمْ ثُمَّ رَكِبَ فَمَضَى إِلَى مَنْزِلِهِ ثمَّ ذكر حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَنَسٍ فِي الَّذِي سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَالِمٍ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مَشْرُوحًا وَقَولُهُ



[ قــ :6771 ... غــ :7153] هُنَا فَلَقِينَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ السُّدَّةُ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هِيَ بَابُ الدَّارِ وَقِيلَ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْمَقَانِعَ عِنْدَ سُدَّةِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَهِيَ مَا يَبْقَى مِنَ الطَّاقِ الْمَسْدُودِ وَقِيلَ هِيَ الْمِظَلَّةُ عَلَى الْبَابِ لِوِقَايَةِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ وَقِيلَ هِيَ الْبَابُ نَفْسُهُ وَقِيلَ عَتَبَتُهُ وَقِيلَ السَّاحَةُ أَمَامَ الْبَابِ وَقَولُهُ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ عَدَّدْتُ وَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ مِثْلُ جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ أَيْ هَيَّأَهُ وَقَولُهُ اسْتَكَانَ أَيْ خَضَعَ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ من السّكُون الدَّال على الخضوع قَالَ بن التِّينِ لَعَلَّ سَبَبَ سُؤَالِ الرَّجُلِ عَنِ السَّاعَةِ إِشْفَاقًا مِمَّا يَكُونُ فِيهَا وَلَوْ سَأَلَ اسْتِعْجَالًا لَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بهَا وَقَولُهُ كَبِيرَ عَمَلٍ بِالْمُوَحَّدَةِ لِلْأَكْثَرِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ لِبَعْضِهِمْ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ جَوَازُ سُكُوتِ الْعَالِمِ عَنْ جَوَابِ السَّائِلِ وَالْمُسْتَفْتِي إِذَا كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ لَا تُعْرَفُ أَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إِلَيْهَا أَوْ كَانَتْ مِمَّا يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ أَوْ سُوءُ التَّأْوِيلِ وَنُقِلَ عَنِ الْمُهَلَّبِ الْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ وَعَلَى الدَّابَّةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاضُعِ فَإِنْ كَانَتْ لِضَعِيفٍ فَهُوَ مَحْمُودٌ وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا أَوْ لِمَنْ يُخْشَى لِسَانُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.

قُلْتُ وَالْمِثَالُ الثَّانِي لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَيُجِيبُ ليأمن شَره فَيكون فِي هَذِهِ الْحَالَةَ مَحْمُودًا قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْقَضَاءِ سَائِرًا أَوْ مَاشِيًا فَقَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْفَهْمِ.

     وَقَالَ  سَحْنُون لَا يَنْبَغِي.

     وَقَالَ  بن حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِمَا كَانَ يَسِيرًا.
وَأَمَّا الِابْتِدَاء بِالنّظرِ وَنَحْوه فَلَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَهُوَ حَسَنٌ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَشْبَهُ بِالدَّلِيلِ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ فِيمَا يَكُونُ غَامِضًا كَذَا أَطْلَقَ وَالْأَشْبَهُ التَّفْصِيلُ.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ لَا تَصِحُّ حُجَّةُ مَنْ مَنَعَ الْكَلَامَ فِي الْعِلْمِ فِي الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا الْحِكَايَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْ مَالِكٍ فِي تَعْزِيرِهِ الْحَاكِمَ الَّذِي سَأَلَهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ حَدَّثَهُ فَكَانَ يَقُولُ وَدِدْتُ لَوْ زَادَنِي سِيَاطًا وَزَادَنِي تَحْدِيثًا فَلَا يَصِحُّ ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّ غَيْرَهُ فِي مَظِنَّةِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِلَغْوِ الطُّرُقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ تَرْجَمَةُ الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَطَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ لَهُمْ لِيَسْأَلُوهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي سُؤَالِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ سَائِرٌ مَاشِيًا وراكبا كَثِيرَة