فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم


[ قــ :2 ... غــ :2 ]
- باب
{ منِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا
تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ}
[الروم:31]
قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] .

فأمره بإقامة وجهه، وهو إخلاص قصده وعزمه وهمه للدين الحنيف، وهو الدين القيم، وهو فطرة الله التي فطر العباد عليها، فإن الله ركب في قلوب عباده كلهم قبول توحيده والإخلاص له، وإنما يغيرهم عن ذلك تعليم من عملهم الخروج عنه.

ولما كان الخطاب له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تدخل فيه أمته معه قال بعد ذلك { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} ، فجعل ذلك حالا له ولأمته، وهو إنابتهم إليه، ويعني به: رجوعهم إليه، وأمرهم بتقواه، والتقوى تتضمن فعل جميع الطاعات وترك المعاصي والمخالفات.

وخص من ذلك إقام الصلاة، فلم يذكر من أعمال الجوارح باسمه الخاص سواها، والمراد بإقامتها: الاتيان بها قائمة على وجهها التام، وفي ذلك دليل على شرف الصلاة وفضلها، وأنها اهم أعمال الجوارح.

ومن جملة إقامتها المأموربه: المحافظه على مواقيتها، فمن صلى الصلاة لغير مواقيتها التي وقتها الله فلم يقم الصلاة، بل ضيعها وفرط فيها وسها عنها.

قال ابن عباس في قوله تعالى { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة:55] ، قال: يقيمون الصلاة بفرضها.

وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها.

وقال مقاتل بن حيان: إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القران فيها، والتشهد، والصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهذا إقامتها.

خرجه كله ابن أبي حاتم.

ولهذا مدح سبحانه الذين هم على صلاتهم يحافظون والذين هم على صلاتهم دائمون، وقد فسره ابن مسعود وغيره بالمحافظة على مواقيتها، وفسره بذلك مسروق والنخعي وغيرهما.

وقيل لابن مسعود: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن: { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23] و { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج:34] ؟ قال: ذاك على مواقيتها.
قيل له: ما كنا نرى ذلك إلا على تركها، قال: تركها الكفر.

خرجه ابن أبي حاتم ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما.

وكذلك فسر سعد بن أبي وقاص ومسروق وغيرهما السهو عن الصلاة بالسهو عن مواقيتها.

وروي عن سعد مرفوعا، والموقوف أصح قال البخاري - رحمه الله -: