فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الخطبة قائما

باب
الخطبة قائما
وقال أنس: بينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائماً.

حديث أنس، هو الذي فيه ذكر الاستسقاء في الجمعة، وسيأتي –أن شاء الله سبحانه وتعالى - فيما بعد.

[ قــ :893 ... غــ :920 ]
- حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري: نا خالد بن الحارث: نا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائماً، ثم يقعد، ثم يقوم كما يفعلون الان.

وفي الخطبة قائماً احاديث أخر.

وخَّرج مسلم من حديث سماك، عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد –والله – صليت معه أكثر من ألفي صلاةٍ.
وخَّرج مسلم بإسناده من حديث كعب بن عجرة، أنه دخل المسجد
وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً، فقال: انظروا الخبيث، يخطب قاعداً، وقد قال الله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة:11] .

وخرّج ابن ماجه من حديث إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ، أنه سئل: أكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائماً أو قاعداً؟ قالَ: إما تقرأ { تَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة:11] ؟
وهذا إسنادٌ جيد.

لكن روي، عن إبراهيم، عن علقمة من قوله.
وعن إبراهيم، عن عبد الله منقطعاً.

واستدل بهذه الآية على القيام في الخطبة جماعة، منهم: ابن سيرين، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعودٍ.

وإنما احتاجوا إلى السؤال عن ذلك، لأنه كان في زمن بني امية من يخطب
جالساً، وقد قيل: أن أول من جلس معاوية -: قاله الشعبي والحسن وطاوس.

وقال طاوس: الجلوس على المنبر يوم الجمعة بدعة.

وقال الحسن: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر وعثمان يخطبون قياماً، ثم أن عثمان لما رق وكبر كان يخطب، فيدركه ما يدرك الكبير فيستريح ولا يتكلم، ثم يقوم فيتم خطبته.

خرّجه القاضي إسماعيل.

وخَّرج –أيضاً - من روايةٍ ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، أنه قال: أول من جعل في الخطبة جلوساً عثمان، حين كبر واخذته الرعدة جلس هنية، قيل له: هل كان يخطب عمر إذا جلس؟ قال: لا أدري.

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يخطب الخطبة الأولى جالساً، ويقوم في الثانية.

خرّجه ابن سعدٍ.

والظن به أنه لم تبلغه السنة في ذلك، ولو بلغته كان أتبع الناس لها.

وقد قيل: أن ذلك لم يصح عنه؛ فإن الأثرم حكى: أن الهيثم بن خارجة قال لأحمد: كان عمر بن عبد العزيز يجلس في خطبته؟ قال: فظهر منه أنكار لذلك.

ورواية ابن سعدٍ له عن الواقدي، وهو لا يعتمد.

وقد روي عن ابن الزبير –أيضاً - الجلوس في الخطبة الأولى –أيضاً.
خرّجه القاضي إسماعيل.

واختلف العلماء في الخطبة جالساً: فمنهم من قال: لا يصح، وهو قولُ
الشافعي، وحكى روايته عن مالكٍ وأحمد.

وقال ابن عبد البر: اجمعوا على أن الخطبة لا تكون إلا قائماً لمن قدر على القيام.

ولعله أراد إجماعهم على استحباب ذلك؛ فإن الاكثرين على أنها تصح من
الجالس، مع القدرة على القيام، مع الكراهة.
وهو قولُ أبي حنيفة ومالك، والمشهور عن أحمد، وعليه أصحابه، وقول إسحاق –أيضاً.


* * *