فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره

باب
اذان الاعمى إذا كان له من يخبره
[ قــ :600 ... غــ :617 ]
- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، ان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن ام مكتوم) ) ، وكان رجلاً اعمى، لاينادي حتى يقال له: اصبحت، اصبحت.

كذا روى القعنبي هذا الحديث عن مالك، ووافقه ابن أبي اويس وابن مهدي وعبد الرزاق وجماعة.

وهو في ( ( الموطا) ) عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، وكذا رواه الشافعي والاكثرون عن مالك.

ورواه سائر أصحاب الزهري، عنه، عن سالم، عن أبيه - مسنداً.
وقد خرجه مسلم من رواية الليث ويونس، عن ابن شهاب كذلك، ولم يخرجه من طريق مالك.

ورواه معمر وابن إسحاق، عن الزهري، عن ابن المسيب مرسلاً - أيضا.

وقوله في اخر الحديث: ( ( وكان رجلا اعمى) ) قد ادرجه القعنبي في روايته عن مالك في حديثه الذي خرجه عنه البخاري، وكذا رواه ابو مسلم الكجي عن القعنبي.

وكذا رواه عبد العزيز بن [أبي] سلمة بن الماجشون، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وادرجه في الحديث.

وخرج الباري حديثه في موضع اخر.

والحديث في ( ( الموطا) ) ، كله، عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، فالذي في اخره يكون من قول سالم حينئذ.

وقد بين جماعة من رواة ( ( الموطا) ) انه من قول ابن شهاب، منهم: يحيى ابن يحيى الاندلسي.

وقد رواه الجماعةمن القعنبي، عن مالك، فأسندوا الحديث، وجعلوا قوله: ( ( وكان رجلا اعمى) ) - إلى اخره من قول الزهري، منهم: عثمان بن سعيد الدارمي والقاضي اسماعيل وابو خليفة الفضل بن الحباب وإسحاق بن الحسن.

وروى هذا الحديث ابن وهب، عن الليث ويونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه - فذكر الحديث، وزاد: قال يونس في الحديث: وكان ابن ام مكتوم هو الاعمى الذي انزل الله فيه ... { عبس وتولى} [عبس:1] ، كان يؤذن مع بلال.
قال سالم: وكان رجلاً ضرير البصر، ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: اذن.

خرجه البيهقي وغيره.

وخرج مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان: بلال وابن ام مكتوم الاعمى.

وعن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة – مثله.

ومن طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان ابن ام مكتوم يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو اعمى.

كذا خرجه من رواية محمد بن جعفر، عن هشام.

ورواه وكيع وابو اسامة، عن هشام، عن أبيه – مرسلاً.

ومقصود البخاري: الاستدلال بحديث ابن عمر على ان اذان الاعمى غير مكروه، إذا كان له من يخبره بالوقت، وسواء كان البصير المخبر له مؤذنا معه، كما كان بلال وابن ام مكتوم، أو كان موكلا باخباره بالوقت من غير تأذين.

وهذا هو قول اكثر العلماء، منهم: النخعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابو ثور.

وان لم يكن معه بصير يخبره بالوقت كره اذانه، ولو كان عارفا بالوقت بنفسهِ.

قال القاضي من أصحابنا: لان معرفته بنفسه يعمل بها في حق نفسه دون غيره.

وقال ابن أبي موسى من أصحابنا: لا يؤذن الاعمى الا في قرية فيها مؤذنون، فيؤذن بعدهم، وان كان في قرية واحدة لم يؤذن حتى يتحقق دخول الوقت.

وقالت طائفة: يكره اذان الاعمى، روى عن أبي مسعود وابن الزبير.

وعن ابن عباس، انه كره اقامته.

وحكى الامام أحمد عن الحسن، انه كره اذان الاعمى.

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

وحكاه القاضي ابو يعلى رواية عن أحمد، وتأولها على انه لم يكن معه ما يهتدي به.

قال ابن عبد البر: وفي الحديث دليل على جواز شهادة الاعمى على ما استيقنه من الاصوات، الا تري انه كان إذا قيل له - يعنى: ابن ام مكتوم -: اصبحت قبل ذلك، وشهد عليه، وعمل به.
انتهى.
وقبول شهادة الاعمى على ما يتقينه من الاصوات مذهب مالك وأحمد، وروي عن شريح وكثير من السلف.

ومنع منها ابو حنيفة والشافعي.

ومن قال بقولهما، [فرق] بين الاذان والشهادة: بأن الاذان خبر ديني، يعم حكمه المخبر وغيره، فهو كراوية الاعمى للحديث الذي يسمعه وهو اعمى، بخلاف الشهادة، فانه حق لادمي معين فيحتاط لها.