فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب ترك الحائض الصوم

باب
ترك الحائض الصوم
[ قــ :300 ... غــ :304 ]
- حدثنا سعيد بنِ أبي مريم: نا محمد بنِ جعفر: أخبرني زيد - هوَ: ابن أسلم -، عَن عياض بنِ عبد الله، عَن أبي سعيد الخدري، قالَ: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقالَ: ( ( يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار) ) فقلن: وبم يارسول الله؟ قالَ: ( ( تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت مِن ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم مِن إحداكن) ) .
قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قالَ: ( ( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) ) قلن: بلى، قالَ: ( ( فذلك مِن نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لَم تصل ولم تصم؟) ) قلن: بلى، قالَ: ( ( فذلكن [مِن] نقصان دينها) ) .

قَد سبق هَذا الحديث في ( ( كِتابِ: الإيمان) ) ، استدل بهِ البخاري هناك على أن الصلاة والصيام مِن الدين، واستدل بهِ هنا على أن الحائض لا تصوم.

ولم يبوب على ترك الصلاة؛ لأنه بوب على أنها لا تقتضي الصلاة باباً مفرداً، يأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى.

وقد أجمعت الأمة على أن الحائض لا تصوم في أيام حيضها، وأن صومها غير صحيح ولا معتد بهِ، وأن عليها قضاء الصوم إذا طهرت.
واختلف المتكلمون في أصول الفقه: هل هي مكلفة بالصوم في حال حيضها، أم لا تؤمر بهِ إلا بعد طهرها؟
وقال كثير مِن الفقهاء: أنَّهُ لا تظهر لهذا الاختلاف فائدة.

وقد تظهر لَهُ فائدة، وهي: أن الحائض إذا ماتت قبل انقطاع دمها، فهل يجب أن يطعم عنها لكل يوم أفطرت فيهِ؟ وكذا المريض والمسافر إذا ماتا قبل زوال عذرهما، على قول مِن أوجب الإطعام عَن الميت مطلقاً وإن مات قبل التمكن مِن الصوم.

وإذا انقطع دم الحائض؛ فالجمهور على أن حكمها حكم الجنب؛ يصح
صومها، والمخالف في صوم الجنب يخالف في الحائض بطريق الأولى.

ومن الناس مِن قالَ في الحائض: لا يصح صيامها حتى تغتسل؛ وإن صح صوم الجنب.
وحكي عَن الأوزاعي، والحسن بنِ صالح، والعنبري، وعبد الملك بنِ الماجشون
وغيرهم.

وقد حكاه بعض أصحابنا المتأخرين وجهاً في الحائض إذا انقطع دمها: أنَّهُ لا يصح صومها، ولم يحك مثله في الجنب.

ووجه الفرق: أن حدث الحيض مانع مِن صحة الصيام؛ بخلاف الجنابة، فإنه لو احتلم الصائم لَم يبطل صيامه، ولو طرأ الحيض في أثناء النهار بطل الصوم.