فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

7 - فصل
خرج البخاري ومسلم من حديث:
[ قــ :13 ... غــ :13 ]
- قتادة، عن أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
لما نفى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا ينفي إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" .
الحديث
وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي ( 183 - أ/ ف) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا " ، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر " فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه كما قال ابن عباس: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم.
وقال الشافعي: وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء.
فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي: فهو مذموم، قال الله تعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} ( القصص: 83) ، وقد قال علي وغيره: هو أن لا يحب أن يكون نعله خيرا من نعل غيره ولا ثوبه خيرا من ثوبه وفي الحديث المشهور في " السنن ": " من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار .
وأما الحديث الذي فيه أن رجلا سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أحب الجمال، وما أحب أن يفوقني أحد بشراك أو بشسع نعلي، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ليس ذلك من الكبر" ،
فإنما فيه أنه أحب أن لا يعلو عليه أحد، وليس فيه محبة أن يعلو هو على الناس، بل يصدق هذا أن يكون مساويا لأعلاهم فما حصل بذلك محبة العلو عليه والانفراد عنهم، فإن حصل لأحد فضيلة خصصه الله بها عن غيره فأخبر بها على وجه الشكر، لا على وجه الفخر كان حسنا كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر " .
وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته.