فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب إتمام التكبير في الركوع

باب
إتمام التكبير في الركوع
قاله ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وفيه: مالك بن الحويرث.

[ قــ :763 ... غــ :784 ]
- حدثنا إسحاق الواسطي: ثنا خالد، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عمرأن بن حصين، قال: صلى مع عليٍ –رضي الله عنه – بالبصرة، فقال: ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكر أنه كان يكَّبر كلما رفع وكلما وضع.

[ ... ] .

مضطرب إسناده، والحسن بن عمرأن مجهول، وابن عبد الرحمن بن أبزى، قيل: أنه عبد الله، وقيل: أنه سعيد.

قال أحمد: هو أشبه.

وروي أنه محمد، ومحمد هذا غيرُ معروفٍ.

وفسر الإمام أحمد نقص التكبير بأنهم لا يكبرون في الأنحطاط للسجود، ولا في الانحطاط للسجدة الثانية: نقله عنه ابن منصور.
ونقل عن إسحاق، أنه قال: إنما نقصوا التكبير للسجدة الثانية خاصةً.

وقد روي عن أبي موسى الأشعري، قال: لما صلى خلف علي بالبصرة مثل قول عمران بن حصينٍ، لقد ذكرنا علي بن أبي طالب صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إما نسيناها، وإما تركناها عمداً، يكَّبر كلما خفض، وكلما رفع، وكلما سجد.

خرَّجه الإمام أحمد.

وفي إسناده اختلاف؛ رواه أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه:
فقيل: عنه، عن الاسود بن يزيد، عن أبي موسى.

وقيل: عنه، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي موسى.

وقيل: عنه، عن بريد بن أبي مريم، عن رجل من بني تمميم، عن أبي موسى.

ورجَّحه الدارقطني.

ولذلك لم يخّرج حديثه هذا في ( ( الصحيح) ) .

وأكثر العلماء على التكبير في الصلاة في كل خفضٍ ورفعٍ، وقد كان ابن عمر وجابر وغيرهما من الصحابة يفعلونه ويامرون به.

وممن روي عنه إتمام التكبير: عمر بن الخطاب وابن مسعودٍ وعلي وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس.

وروى عبد الرحمن بن الأصم، قال: سمعت أنس بن مالك قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر يتمون التكبير.

خرَّجه الإمام أحمد.

وخَّرجه النسائي، وزاد فيه: وعثمان.

وقال سفيان عن منصور، عن إبراهيم: أول من نقص التكبير زياد.

وقال: ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن ابن مسعود: أن اول من نقص التكبير: الوليد بن عقبة، فقال ابن مسعود: نقّصوها نقَّصهم الله.

خرَّجه البزار وغيره.
وخرَّج الإمام أحمد والنسائي والترمذي من حديث ابن مسعود، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكَّبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر.

زاد النسائي: وعثمان.

وكان بنو أمية ينقصون التكبير، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز، والظن به أنه لم تبلغه السنة الصحيحة في ذلك، ولو بلغته لكان أتبع الناس لها.

وروي عن القاسم وسالم وسعيد بن جبيرٍ، أنهم كانوا لا يتمون التكبير.

ذكره ابن المنذر وغيره.

وقد سبق تفسير ترك إتمام التكبير، ومن فهم عنهم أنهم كانوا لا يكبرون في الصلاة غير تكبيرة الإحرام فقد وهم فيما فهم.

وأما ما حكاه ابن عبد البر، عن ابن عمر، أنه كان لا يكَّبر إذا صلى وحده، وذكر أن أحمد بن حنبل حكاه عنه في رواية ابن منصور.
فهذا وهم منه –رحمه الله – على أحمد، فأن مراد أحمد التكبير في أدبار الصلوات أيام التشريق.

ويدل عليه: أن أحمد في تمام هذه الرواية حكى – أيضاً -، عن قتادة، أنه كان يكَّبر إذا صلى وحده، ثم قال: واحب الي أن يكَّبر من صلى وحده في الفرض، وأما النافلة فلا.

ولم يرد أحمد أن صلاة النافلة لا يكَّبر فيها للركوع والسجود والجلوس، فإن هذا لم يقله أحمد قط، ولا فَّرق أحد بين الفرض والنفل في التكبير.

وأما حديث ابن أبزى، فقد تقدم الكلام على ضعفه، ولو صح حمل على أنه لم يسمع من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتمام التكبير، لا أنه لم يكن يكَّبر في سجوده ورفعه.

وهكذا المروي عن عثمان، فإنه لما كبر وضعف خفض صوته به أو أسره.

وأكثر الفقهاء على أن التكبير في الصلاة – غير تكبيرة الإحرام – سنة، لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً.

وذهب أحمد واسحاتق إلى أن من ترك تكبيرة من تكبيرات الصلاة عمداً فعليه الإعادة، وأن كان سهواً فلا إعادة عليه في غير تكبيرة الإحرام.

وأنكر أحمد أن يسمي شيء من أفعال الصلاة واقوالها سنة، وجعل تقسيم الصلاة إلى سنة وفرض بدعة، وقال: كل ما في الصلاة واجب، وإن كانت الصلاة لا تعاد بترك بعضها.

وكذلك أنكر مالك تقسيم الصلاة إلى فرض وسنة، وقال: هو كلام الزنادقة.
وقد ذكرنا كلامه في موضع آخر.

وكذلك ذكر الأبري في ( ( مناقب الشافعي) ) بإسناده عن الواسطي، قال: سمعت الشافعي يقول: كل أمور الصلاة عندنا فرض.

وقال –أيضاً -: قرأت عن الحسين بن علي، قال: سُئل الشافعي عن فريضة الحج؟ قال: الحج من أوله إلى آخره فرض، فمنه ما إن تركه بطل حجة، فمنه
الإحرام، ومنه الوقوف بعرفات، ومنه الافاضة.

وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: كل شيء في الصلاة مما ذكره الله فهو فرض.

وهذا قيد حسن.

وسمى أصحاب أحمد هذه التكبيرات التي في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام واجبات، لأن الصلاة تبطل بتركها عمداً عندهم.

وحكي عن أحمد رواية أن هذه التكبيرات من فروض الصلاة، لا تسقط الصلاة بتركها عمداً ولا سهواً.

وحكي عنه رواية أخرى: إنها فرض في حق غير المأموم، وأما المأموم فتسقط عنه بالسهو.

وروي عن ابن سيرين وحماد، أنه من أدرك الإمام راكعاً وكبر تكبيرة واحدة للإحرام لم يجزئه حتى يكَّبر معها تكبيرة الركوع.

وقال ابن القاسم –صاحب مالك -: من أسقط من التكبير في الصلاة ثلاث تكبيرات فما فوقها سجد للسهو قبل السلام، فإن لم يسجد بطلت صلاته، وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد للسو –أيضاً -، فإن لم يفعل فلا شيء عليه.

وروي عنه، أن التكبيرة الواحدة لا سجود على من سها عنها.

قال ابن عبد البر: هذا يدل على أن عظم التكبير وجملته عنده فرض، وأن اليسير منه متجاوز عنه.

وأكثر أصحاب مالك على أن هذه التكبيرات تسمى سنناً، كما يقوله أصحاب الشافعي وغيرهم، وأن الصلاة لا تبطل بتركها عمدا ولا سهواً، وحكي رواية عن
أحمد.

وقال سعيد بن جبيرٍ في التكبير: كلما خفض ورفع، إنما هو شيء يزين به الرجل الصلاة.

وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: من نسي شيئاً من تكبيرات الصلاة، أو ( ( سمع الله لمن حمده) ) فإنه يقضيه حين يذكره.

وهذا مذهب غريب، وجمهور العلماء على أنه يفوت بفوات محله، فلا يعاد في غير محله.

واستدل من أوجب ذلك بأمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه قال: ( ( صلوا كما رأيتموني
أصلي)
)
.
وكان يصلي بهذا التكبير، وقال في الإمام: ( ( إذا كبر فكبروا) ) .

وهذا يعم كل تكبير في الصلاة.
وقال – في حديث أبي موسى -: ( ( فإذا كبر الإمام وركع فاركعوا) ) .
وكذا قال في السجود.

خرَّجه مسلم.

وبأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في الصلاة: ( ( إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ) ، فدل على أن الصلاة لا تخلو من التكبير، كما لا تخلو من قراءة القرآن، وكذلك
التسبيح.

وقد روي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم المسيء في صلاته التكبير للركوع والسجود، من حديث رفاعة بن رافع، وأخبره أنه لا تتم صلاته بدون ذلك.

خرَّجه أبو داود وغيره.
واستدل الإمام أحمد لسقوطه بالسهو بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نسي التشهد الأول، فأتم صلاته، وسجد للسهو.
وقد ترك بتركه التشهد التكبيرة للجلوس له، فدل على أنها تسقط بالسهو، ويجبر بالسجود له.

واستدل –أيضاً –على سقوطه بالسهو بحديث: ( ( كان لا يتم التكبير) ) ، فكأنه حمله على حالة السهو.






[ قــ :764 ... غــ :785 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فاذا أنصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد رواه عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة كان يكَّبر في الصلاة كلما رفع ووضع، فقلنا: يا أبا هريرة، فما هذا التكبير؟ قال: إنها لصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرَّجه مسلم.

وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة من وجوه متعددة، وسيأتي بعضها فيما بعد – إن شاء الله.

وقد استدل به بعضهم على أن التكبير لغير الإحرام غير واجب في الصلاة، لأن هذا كان يستنكره الناس على أبي هريرة، كما استنكره عكرمة على من صلى خلفه
بمكة، وكما دل حديث عمرأن بن حصين وأبي موسى على ترك الناس له.

وخَّرجه النسائي وابن حبان في ( ( صحيحه) ) ، من حديث سعيد بن سمعان، قال: دخل علينا أبو هريرة المسجد، فقال: ثلاث كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعمل بهن، تركهن الناس: كان إذا قام إلى الصلاة رفع يده مداً، وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله، وكان يكَّبر في الصلاة كلما ركع وسجد.

ولو كان ذلك من واجبات الصلاة لما أقرت الصحابة على تركه.

وقد أجاب بعضهم بأنهم إنما تركوا الجهر به فقط، وقد سبق عن الإمام أحمد أن نقص التكبير الذي احدثوه إنما هو ترك التكبير للسجدة الأولى والثانية، وأن إسحاق قال: إنما تركوا التكبير للسجدة الثانية فقط.

فلعل بني أمية كانوا يرون أن المأمومين يشاهدون الإمام في سجوده فلا يحتاج إلى إسماعهم التكبير في هذه الحال، بخلاف رفعه فإنهم لا يشاهدونه، فيحتاج إلى إسماعهم التكبير فيه.

وفي هذا نظر.
والله أعلم.

وقد سبق ما يدل على أنهم تركوا تكبيرتي الركوع والسجود خاصة، وأن علياً
– رضي الله عنه - أحيا ما تركوه من ذلك وأماتوه.
وروى مسعر، عن يزيد الفقير، قال: كان ابن عمر ينقص التكبير في الصلاة.
قال مسعر: إذا انحط بعد الركوع للسجود لم يكَّبر، فإذا أراد أن يسجد الثانية لم يكَّبر.

خرَّجه ابن أبي شيبة.

فتفسير مسعر لنقص التكبير يدل على أن نقصه هو ترك التكبير للسجدتين معاً، كما فسره الإمام أحمد.

وهذه الرواية عن ابن عمر تخالف رواية مالك، عن الزهري، عن سالمٍ، عن
أبيه، أنه كان يكَّبر كلما خفض ورفع.

كذا رواه مالك في ( ( الموطأ) ) .

ورواه أشهب، عن مالك، فزاد فيه: يخفض بذلك صوته.

وهذه الرواية يجمع بها بين الروايتين بأن يكون سالم سمع أباه يكَّبر ويخفض صوته، ويزيد الفقير لم يسمعه لخفض صوته، أو لبعده عنه.

وروى – أيضاً – عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يتم التكبير.

ونافع وسالم أعرف بابن عمر من غيرهما.