فهرس الكتاب
فتح البارى لابن رجب - باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء
باب
صلاة الطالب والمطلوب راكبا وايماء او قائما
وقال الوليد: ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط وأصحابه على ظهر
الدابة، فقال: ذلك الأمر عندنا، إذا تخوفت الفوت.
واحتج الوليد بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا يصلين أحد العصر إلاّ في بني قريظة) ) .
[ قــ :918 ... غــ :946 ]
- حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء: نا جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال لنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رجع من الأحزاب: ( ( لا يصلين أحد العصر إلاّ في بني قريظة) ) فأدرك بعضهم العصر في الطريق، وقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذَلِكَ.
فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يعنف واحدا منهم.
وقد تقدم أن الأوزاعي وأصحابه - ومنهم: الوليد بن مسلم - يرون جواز صلاة شدة الخوف للطالب، كما يجوز للمطلوب 0 وهو رواية عن أحمد، وأنهم يرون تأخير الصلاة عن وقتها إذا لم يقدروا على فعلها في وقتها على وجه تام، كما تقدم - أيضا.
وقد استدل الوليد بن مسلم لذلك بحديث ابن عمر في البعث إلى قريظة.
وأما صلاة شرحبيل بن السمط التي استدل بها الأوزاعي .
ومما يتفرع على جواز صلاة الطالب صلاة شدة الخوف: أن من كان ليلة النحر قاصدا لعرفة، وخشي أن تفوته عرفة قبل طلوع الفجر، فإنه يصلي صلاة شدة الخوف وهو ذاهب إلى عرفة، وهو أحد الوجهين لأصحابنا، ولأصحاب الشافعي –أيضا.
وضعفه بعض أصحابهم، بأنه ليس بخائف بل طالب.
والصحيح: أنا إن قلنا: تجوز صلاة الطالب جازت صلاته، وإلاّ فلا تجوز، أو يكون فيه وجهان.
وهل يجوز تأخير العشاء إلى بعد طلوع الفجر؟ فيهِ – أيضا – وجهان للشافعية ولأصحابنا.
وأما استدلال الوليد بحديث ابن عمر في ذكر بني قريظة، فإنما يتم ذلك إذا كان الذين لم يصلوا العصر حتى بلغوا بني قريظة لم يصلوها إلاّ بعد غروب الشمس، وليس ذلك في هذا الحديث، فإن حديث ابن عمر إنما يدل على ان بعضهم أخر العصر إلى بني قريظة، فقد يكونوا صلوها في آخر وقتها، وهذا لا إشكال في جوازه.
وممن ذهب إلى ذلك: الخطابي، وردَ به على من استدل بالحديث على أن كل مجتهد مصيب.
وذهب آخرون إلى أن الذين صلوا في بني قريظة صلوا بعد غروب الشمس.
واستدلوا بأن مسلما خرج الحديث، ولفظه: عن ابن عمر، قالَ: نادى [فينا] رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم انصرف من الأحزاب: أن ( ( لا يصلي أحد العصر إلاّ في بني قريظة) ) فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلاّ حيث أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن فاتنا الوقت.
قال: فما عنف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدا من الفريقين.
وخرج البيهقي، بإسناد فيه نظر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عمه عبد الله أخبره، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزم على الناس لما رجع من الأحزاب أن لا يصلوا صلاة العصر إلاّ في بني قريظة.
قالَ: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند غروب الشمس، فقال بعضهم: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزم علينا إلاّ نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فليس علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوها حين جازوا بني قريظة احتسابا، فلم يعنف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدا من الفريقين.
وهذا مرسل.
وقد ذكره موسى بن عقبة في ( ( مغازيه) ) عن الزهري – مرسلا -، بغير إسناد للزهري بالكلية، وهو أشبه.
وخرج البيهقي نحوه - أيضا - من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن أخيه
عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، وفي حديثها: ( ( فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا، ولم يعنف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدا من الفريقين) ) .
والاستدلال بهذا الحديث على تأخير الصلاة للاشتغال بالحرب، استدلال ضعيف، وكذلك الاستدلال به على تأخير الصلاة لطالب العدو؛ فإن يوم ذهابهم إلى بني قريظة لم تكن هناك حرب تشغل عن صلاة، ولا كانوا يخافون فوات العصر ببني قريظة بالاشتغال بالصلاة بالكلية، وإنما وقع التنازع بين الصحابة في صلاة العصر في الطريق، إلتفاتا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإلى معنى كلامه ومراده ومقصوده:
فمنهم من تمسك بظاهر اللفظ، ورأى أنه ينبفي أن يصلي العصر إلاّ في بني قريظة، وإن فات وقتها، وتكون هذه الصلاة مخصوصة من عموم أحاديث المواقيت بخصوص هذا، وهو النهي عن الصلاة إلاّ في بني قريظة.
ومنهم من نظر إلى المعنى، وقال لم يرد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك، وإنما أراد منا تعجيل الذهاب إلى بني قريظة في بقية النهار، ولم يرد تأخير الصلاة عن وقتها، ولا غير وقت صلاة العصر في هذا اليوم، بل هو باق على ما كان عليه في سائر الأيام.
وهذا هو الأظهر.
والله أعلم.
ولا دلالة في ذلك على أن كل مجتهد مصيب، بل فيه دلالة على أن المجتهد سواء أصاب أو أخطأ فإنه غير ملوم على اجتهاده، بل إن أصاب كان له أجران، وإن أخطأ فخطؤه موضوع عنه، وله أجر على اجتهاده.
ومن استدل بالحديث على أن تارك الصلاة عمداً يقضي بعد الوقت فقد وهم؛ فإن من أخر الصَّلاة في ذَلِكَ كانَ باجتهاد سائغ، فهوَ في معنى النائم والناسي، وأولى؛ فإن التأخير بالتأويل السائغ أولى بأن يكون صاحبه معذوراً.
صلاة الطالب والمطلوب راكبا وايماء او قائما
وقال الوليد: ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط وأصحابه على ظهر
الدابة، فقال: ذلك الأمر عندنا، إذا تخوفت الفوت.
واحتج الوليد بقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا يصلين أحد العصر إلاّ في بني قريظة) ) .
[ قــ :918 ... غــ :946 ]
- حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء: نا جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال لنا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رجع من الأحزاب: ( ( لا يصلين أحد العصر إلاّ في بني قريظة) ) فأدرك بعضهم العصر في الطريق، وقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذَلِكَ.
فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يعنف واحدا منهم.
وقد تقدم أن الأوزاعي وأصحابه - ومنهم: الوليد بن مسلم - يرون جواز صلاة شدة الخوف للطالب، كما يجوز للمطلوب 0 وهو رواية عن أحمد، وأنهم يرون تأخير الصلاة عن وقتها إذا لم يقدروا على فعلها في وقتها على وجه تام، كما تقدم - أيضا.
وقد استدل الوليد بن مسلم لذلك بحديث ابن عمر في البعث إلى قريظة.
وأما صلاة شرحبيل بن السمط التي استدل بها الأوزاعي .
ومما يتفرع على جواز صلاة الطالب صلاة شدة الخوف: أن من كان ليلة النحر قاصدا لعرفة، وخشي أن تفوته عرفة قبل طلوع الفجر، فإنه يصلي صلاة شدة الخوف وهو ذاهب إلى عرفة، وهو أحد الوجهين لأصحابنا، ولأصحاب الشافعي –أيضا.
وضعفه بعض أصحابهم، بأنه ليس بخائف بل طالب.
والصحيح: أنا إن قلنا: تجوز صلاة الطالب جازت صلاته، وإلاّ فلا تجوز، أو يكون فيه وجهان.
وهل يجوز تأخير العشاء إلى بعد طلوع الفجر؟ فيهِ – أيضا – وجهان للشافعية ولأصحابنا.
وأما استدلال الوليد بحديث ابن عمر في ذكر بني قريظة، فإنما يتم ذلك إذا كان الذين لم يصلوا العصر حتى بلغوا بني قريظة لم يصلوها إلاّ بعد غروب الشمس، وليس ذلك في هذا الحديث، فإن حديث ابن عمر إنما يدل على ان بعضهم أخر العصر إلى بني قريظة، فقد يكونوا صلوها في آخر وقتها، وهذا لا إشكال في جوازه.
وممن ذهب إلى ذلك: الخطابي، وردَ به على من استدل بالحديث على أن كل مجتهد مصيب.
وذهب آخرون إلى أن الذين صلوا في بني قريظة صلوا بعد غروب الشمس.
واستدلوا بأن مسلما خرج الحديث، ولفظه: عن ابن عمر، قالَ: نادى [فينا] رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم انصرف من الأحزاب: أن ( ( لا يصلي أحد العصر إلاّ في بني قريظة) ) فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلاّ حيث أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن فاتنا الوقت.
قال: فما عنف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدا من الفريقين.
وخرج البيهقي، بإسناد فيه نظر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عمه عبد الله أخبره، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزم على الناس لما رجع من الأحزاب أن لا يصلوا صلاة العصر إلاّ في بني قريظة.
قالَ: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند غروب الشمس، فقال بعضهم: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزم علينا إلاّ نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فليس علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوها حين جازوا بني قريظة احتسابا، فلم يعنف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدا من الفريقين.
وهذا مرسل.
وقد ذكره موسى بن عقبة في ( ( مغازيه) ) عن الزهري – مرسلا -، بغير إسناد للزهري بالكلية، وهو أشبه.
وخرج البيهقي نحوه - أيضا - من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن أخيه
عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، وفي حديثها: ( ( فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا، ولم يعنف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدا من الفريقين) ) .
والاستدلال بهذا الحديث على تأخير الصلاة للاشتغال بالحرب، استدلال ضعيف، وكذلك الاستدلال به على تأخير الصلاة لطالب العدو؛ فإن يوم ذهابهم إلى بني قريظة لم تكن هناك حرب تشغل عن صلاة، ولا كانوا يخافون فوات العصر ببني قريظة بالاشتغال بالصلاة بالكلية، وإنما وقع التنازع بين الصحابة في صلاة العصر في الطريق، إلتفاتا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإلى معنى كلامه ومراده ومقصوده:
فمنهم من تمسك بظاهر اللفظ، ورأى أنه ينبفي أن يصلي العصر إلاّ في بني قريظة، وإن فات وقتها، وتكون هذه الصلاة مخصوصة من عموم أحاديث المواقيت بخصوص هذا، وهو النهي عن الصلاة إلاّ في بني قريظة.
ومنهم من نظر إلى المعنى، وقال لم يرد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك، وإنما أراد منا تعجيل الذهاب إلى بني قريظة في بقية النهار، ولم يرد تأخير الصلاة عن وقتها، ولا غير وقت صلاة العصر في هذا اليوم، بل هو باق على ما كان عليه في سائر الأيام.
وهذا هو الأظهر.
والله أعلم.
ولا دلالة في ذلك على أن كل مجتهد مصيب، بل فيه دلالة على أن المجتهد سواء أصاب أو أخطأ فإنه غير ملوم على اجتهاده، بل إن أصاب كان له أجران، وإن أخطأ فخطؤه موضوع عنه، وله أجر على اجتهاده.
ومن استدل بالحديث على أن تارك الصلاة عمداً يقضي بعد الوقت فقد وهم؛ فإن من أخر الصَّلاة في ذَلِكَ كانَ باجتهاد سائغ، فهوَ في معنى النائم والناسي، وأولى؛ فإن التأخير بالتأويل السائغ أولى بأن يكون صاحبه معذوراً.