فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب إذا أسمع الإمام الآية

باب
إذا أسمع الإمام الآية
[ قــ :757 ... غــ :778 ]
- حدثنا محمد بن يوسف: ثنا الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير: حدثني عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها، في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر و [صلاة] العصر ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطيل في الركعة الأولى.

قوله: ( ( كان يسمعنا الآية أحياناً) ) ظاهرة: أنه كان يقصد ذلك، وقد يكون فعله ليعلمهم أنه يقرأ في الظهر والعصر، فإنه حصل لبعضهم شك في ذلك كما تقدم.

وقد يكون فعله ليعلمهم هذه السورة المعينة، كما روي ذلك عن أنس وغيره؛ أو ليبين جواز الجهر في قراءة النهار، وأن الصلاة لا تبطل به.

وقالت طائفة من العلماء: لم يكن إسماعهم الآية أحياناً عن قصد، إنما كا يقع اتفاقاً عن غير قصد؛ فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ لنفسه سراً، فربما استغرق في تدبر ما يقرأه، أو لعله كان يقصد تحقيق القراءة، فيقع سماع قراءته للآية أحياناً لذلك من غير أن يتعمد إسماعهم، أو أن يكون وقع الإسماع منه على وجه السهو وفي هذا نظر.

قال الشافعي: لا نرى بأسا أن يتعمد الرجل الجهر بالشيء من القرآن ليعلم من خلفه أنه يقرأ.
قال: وهم يكرهون هذا، ويوجبون السهو على من فعله.

يشير إلى أهل الكوفة.

واختلف كلام الإمام أحمد في ذلك:
فنقل عنه حنبل في قراءة النهار: ترى للرجل أن يسمع من يليه؟ قال: الحرف ونحو ذلك، ولا يغلط صاحبه؛ كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمعهم الآية أحياناً وقال: صلاة النهار عجماء لا يجهر فيما.

ونقل عنه إسماعيل بن سعيد الشالنجي في الإمام يسمع من يليه، فكره ذلك في صلاة النهار، وقال: لا أرى عليه سهوا في ذلك – أي: سجود سهو.

وروى الشافعي بإسناده، عن ابن مسعود، أنه سمع قراءة في الظهر والعصر.

قال الشافعي: وهذا عندنا لا يوجب سهواً – يعني: سجوداً.

وروى وكيع في ( ( كتابه) ) عن سيف المكي، عن مجاهد، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقرأ في الظهر بـ { كهيعص} .

وروى الجوزجاني بإسناده، عن أبي عثمان النهدي، قالَ: سمعت من ابن عمر نغمة من { ق} في صلاة الظهر.

وروى حماد بن سلمة، عن حميد وثابت وقتادة والتيمي، أن أنساً صلى بهم الظهر والعصر، وكان يسمعهم النغمة أحياناً.

وروى عنه مرفوعاً.

ووقفه أصح -: قاله أبو حاتم والدارقطني وغيرهما.

وروي عن خباب بن الأرت، أنه قرأ بهم في الظهر بـ { إذا زلزلت} ، فسمع قراءته حتى تعلمها من خلفه.

وعنه: قرأ بهم في العصر { إذا زلزلت} فجهر بها.

وقال علقمة: صليت إلى جنب عبد الله بن مسعود بالنهار، فلم أدر أي شيء قرأ، حتى سمعته يقول: { رب زدني علماً} ( طه: 114) ، فظننته يقرأ { طه} .

وقال النخعي: كان بعضهم يسمعهم الآية في الظهر والعصر.

وخرج النسائي وابن ماجه من حديث البراء بن عازب، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات.
واختلفوا فيمن جهر فيما يخافت فيه: هل يسجد للسهو، أم لا؟
فقالت طائفة: لا يسجد، وروي عن أنس وعلقمة والأسود، أنهم فعلوه ولم يسجدوا.

وهو قول الأوزاعي والشافعي.

وقال النخعي والثوري وأبوحنيفة: يسجد لذلك.

وعن أحمد فيه روايتان.

وقال مالك: إن تطاول ذلك سجد للسهو، ولا أرى عليه في السر سهوا.

واستدل أحمد بأنه لا يجب السجود لذلك بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسمع منه نغمة في صلاة الظهر، وبأن أنساً جهر فلم يسجد.

قلت: المروي عن الصحابة قد تقدم أنه كان عمداً منهم فعلوه؛ لتعليم من وراءهم سنة القراءة، والعمد لا يسجد له.

وفيه رد على من قال: تبطل صلاته بتعمد الجهر فيما يسر فيه، كما تقدم.

فقد حكي عن ابن أبي ليلى، أنه تبطل الصلاة بتركه عمداً ونسياناً وهو بعيد جداً.