فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء

باب
السمر في الفقه والخير بعد العشاء
فيه حديثان:
الأول:
قال:
[ قــ :584 ... غــ :600 ]
- نا عبد الله بن صباح: نا أبو علي الحنفي: نا قرة بن خالد: أنتظرنا الحسن وراث علينا حتى قربنا من وقت قيامه، فجاء، قال: دعانا جيراننا هؤلاء، ثم قال: قال أنس: نظرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة، حتى كان شطر الليل يبلغه، فجاء فصلى لنا، ثم خطبنا، فقال: ( ألا إن الناس قد صلوا، ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة) .

قال الحسن: وإن القوم لن يزالوا في خير ما انتظروا الخير.

قال قرة: وهو من حديث أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

معنى ( راث) : أبطأ.


الثاني:
[ قــ :585 ... غــ :601 ]
- ثنا أبو اليمان: أبنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني سالم بن عبد الله بن عمر وأبو بكر بن أبي حثمة، أن عبد الله بن عمر قال: صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ( أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على وجه الأرض أحد) .

فوهل الناس في مقالة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض) – يريد بذلك: أنها تخرم ذلك القرن.

( وهل) - بفتح الهاء -، قال الخطأبي: معناه: غلطوا وتوهموا، والوهل: الوهم، يقال: وهل إذا ذهب وهله إلى الشيء.
انتهى.

وضبطه بعضهم ( وهل) بكسر الهاء، وقال: معناه فزع ونسي، والوهل – بالفتح -: الفزع.

وقيل: معناه: وقع في وهله.

والأول أصوب: والله اعلم.

ومراد ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن من كان موجوداً في وقت قوله ذلك لا يبقى منهم أحد على رأس مائة سنة، فينخرم ذلك القرن، فظن بعضهم: أن مراده: أن الساعة تقوم بدون مائة سنة، وهو وهم ممن ظن ذلك، ولذلك أنكره علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – على من توهمه.

ومقصود البخاري بهذين الحديثين: الاستدلال على جواز الموعظة وذكر العلم بعد العشاء، وانه ليس من السمر المنهي عنه.

وقد كان ابن شبرمة وغيره من فقهاء الكوفة يسمرون في الفقه إلى أذان [الفجر] .

ونص الإمام أحمد على أنه لا يكره السمر في العلم.
وروى قتادة، عن أبي حسان، عن عبد الله بن عمرو، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح، ما يقوم إلا إلى عظم صلاة.

خرجه أبو داود.

وكذا رواه هشام الدستوائي وعمرو بن الحارث وسعيد بن بشير.

وخالفهم: أبو هلال، فرواه عن قتادة، عن أبي حسان، عن عمران بن حصين.

والقول: قول هشام ومن تابعه -: قاله الإمام أحمد وأبو حاتم وأبو بكر الأثرم.

وخرج الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن خزيمة في ( صحيحه) من حديث علقمة، عن عمر بن الخطاب، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين، وأنا معهم.

قال الترمذي: حسن.

وقد قيل: إن علقمة لم يسمعه من عمر، وبينهما رجل -: قاله البخاري والأثرم.

ورجح الدارقطني: أنه ليس بينهما أحد.
وفيه دليل على جواز السمر في مصالح المسلمين، وما يعود بنفعهم.

وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه كان يسمر مع علي بن أبي طالب حتى يذهب ليل طويل.
وكان ابن عباس يسمر عند معاوية.

وخرج ابن مسعود وأبو موسى من عند الوليد، وقد تحدثوا ليلاً طويلاً، فجاءوا إلى سدة المسجد، فتحدثوا حتى طلع الفجر.

وقد ذكر البخاري في أواخر ( كتاب العلم) : ( باب: السمر بالعلم) ، وقد سبق في موضعه، وذكرنا فيه زيادة هاهنا.
والله أعلم.