فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الصلاة قبل العيد وبعدها

باب
الصلاة قبل العيد وبعدها
وقال أبو المعلى: سمعت سعيداً، عن ابن عباس: كره الصلاة قبل العيد.

[ قــ :959 ... غــ :989 ]
- حدثنا أبو الوليد: ثنا شعبة: أخبرني عدي بن ثابت، قالَ: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوم عيد الفطر، فصلى ركعتين، ولم يصل قبلها ولا بعدها، ومعه بلال.

( ( أبو المعلى) ) ، هو: يحيى بن ميمون الكوفي، ثقة مشهور.

وقد اختلف الناس في معنى ترك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة يوم العيد قبلها وبعدها: فمنهم من قال: لأنه كان إماماً، والإمام لايتطوع موضع صلاة العيد قبلها ولا بعدها؛ لأن حضوره كاقامة الصَّلاة، فلا يتطوع بعده، وإذا خطب انصرف وانصرف الناس معه، فلو صلى فلربما احتبس الناس لهُ، وفيه مشقة.

وهذا تأويل جماعة، منهم: سليمان بن حرب وطائفة من الشافعية وغيرهم.

وأنكر ذلك الإمام أحمد، وقال: إنما لم يصل قبلها ولا بعدها؛ لأنه لا صلاة قبلها ولا بعدها.

واستدل بأن ابن عباس وابن عمر رويا أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل قبلها ولا بعدها وكرها الصلاة قبلها وبعدها استدلالاً بما روياه، فعلهم أنهما فهما مما روياه كراهة الصلاة قبلها وبعدها، وهما أعلم بما رويا.

فأما كراهة ابن عباس، فقد ذكره البخاري تعليقاً، وروي عنه من وجوه أخرَ.

وأما حديث ابن عمر، فمن رواية أبان بن عبد الله البجلي، عن أبي بكر بن
حفص، عن ابن عمر، أنه خرج يوم عيد فطر، ولم يصل قبلها ولابعدها، وذكر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله.

خرجه الإمام أحمد والترمذي.

وقال: حسن صحيح.

وحكى في ( ( علله) ) عن البخاري، أنه قال: هو حديث صحيح، وأبان البجلي صدوق.

وأبان هذا، وثقه ابن معين، وقال أحمد: صدوق صالح الحديث.

وروى مالك وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يصلي قبل العيد ولا بعدها – ولم يرفعه.

وكذا رواه عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.

قال الإمام أحمد: روي عن ابن عمر وابن عباس وسلمة بن الأكوع وبريدة، أنهم لم يصلوا قبلها ولا بعدها.
انتهى.

وروي –أيضا - عن علي وجابر وابن أبي أوفى.

وقال الزهري: ما علمنا أحداً كانَ يصلي قبل خروج الإمام يوم العيد ولا بعده.

ذكره عبد الرزاق، عن معمر، عنه.

وخرجه جعفر الفريابي من رواية يونس، عن الزهري، قال: لم يبلغنا أن احداً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسبح يوم الفطر والأضحى قبل الصلاة ولا بعدها، إلا أن يمر منهم مار بمسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيسبح فيه.

وخرجه الأثرم من رواية الزبيدي، عن الزهري، قال: لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر عن أحد من سلف هذه الأمة، أنه كان يصلي قبلها ولا بعدها.

وكان عمر بن عبد العزيز لا يسبح قبلها ولا بعدها، ويبكر بالخروج إلى الخطبة والصلاة، كما لا يصلي أحد قبلها.

وحكى الإمام أحمد هذا القول عن أهل المدينة.

وروي عن الشعبي، قالَ: أتيت المدينة وهم متوافرون، فلم أر أحداً من الفقهاء يصلي قبلها ولا بعدها.

خرجه الفريابي.

وهو قول مالك وأحمد وإسحاق.

وحكاه الترمذي عن الشافعي.

وهؤلاء، منهم من كان ينهى عن الصلاة قبلها، ويزجر عنه، وروي عن أبي قتادة الأنصاري وحذيفة وغيرهما.

ومنهم من كان يخبر بأنه ليس من السنة، ولا ينهى عنه، ومنهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

وحكى الإمام أحمد عن أهل البصرة، أنهم رجعوا في الصلاة قبلها وبعدها، روي عن أنس وأبي برزة الاسلمي والحسن وأخيه سعيد وجابر بن زيد وأبي بردة بن أبي موسى، وهو المشهور عن الشافعي.

وقد حكاه الإمام أحمد –في رواية الأثرم - عن أنس وأبي برزة.

وروى الإمام أحمد –في رواية ابنه عبد الله -: نا محمد بن جعفر: نا سعيد، عن
قتادة، أن أبا برزة الأسلمي وأنس بن مالك والحسن وعطاء بن يسار، كانوا لا يرون بالصلاة قبل الإمام ولا بعده بأساً.
وقد خرج البيهقي من رواية الداناج، أنه رأى أبا بردة يصلي يوم العيد قبل الإمام.

فظن صاحب ( ( شرح المهذب) ) ، أن من حكاه عنة أبي برزة الأسلمي فقد وهم وصحف، وليس كما قال.

ورخصت طائفة أخرى في الصلاة بعدها دون ما قبلها، وحكاه الإمام أحمد عن أهل الكوفة.

وقد روي عن علي من وجه ضعيف.

وعن ابن مسعود وأصحابه.

وعن ابن أبي ليلى والنخعي والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي.

وفرقت طائفة بين أن يصلي العيد في المصلى، فلا يصلي قبلها ولا بعدها، وبين أن يصلي في المسجد فيصلي قبلها وبعدها، وهو قول الليث، ورواية عن مالك.

ولم يذكر في ( ( تهذيب المدونة) ) سواها.

وعنه، الرخصة أن يصلي قبلها في المسجد خاصة.

وهذا كله في حق غير الإمام، فأما الإمام فلا نعلم في كراهة الصلاة له خلافاً قبلها وبعدها.

وكل هذا في الصلاة في موضع صلاة العيد، فأما الصلاة في غير موضع صلاة
العيد، كالصلاة في البيت أو في المسجد، إذا صليت العيد في المصلى، فقال أكثرهم: لا تكره الصلاة فيه قبلها وبعدها.

روي ذلك عن بريدة ورافع بن خديج.

وذكره عباس بن سهل، عن أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنهم كانوا يفعلونه.

وكان عروة يفعله.

وروي عن ابن مسعود، أنه كان يصلي بعد العيد في بيته.

وهو مذهب أحمد وإسحاق.

وروى عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين.

خرجه الإمام أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في ( ( صحيحه) ) والحاكم.

وقال: سنة عزيزة، بإسناد صحيح.

كذا قال؛ وابن عقيل مختلف فيهِ.

وقالت طائفة: لا صلاة يوم العيد حتَّى تزول الشمس.

وصح عن ابن عمر، أنه كان يفعله.

وعن كعب بن عجرة، أنه أنكر على من صلى بعد العيد في المسجد، وذكر أنه خلاف السنة، وقال: هاتان الركعتان سبحة هذا اليوم حتى تكون الصلاة تدعوك.

واختار هذا القول أبو بكر الآجري، وأنه تكره الصلاة يوم العيد حتى تزول الشمس، وحكاه عن أحمد.

وحكايته عن أحمد غريبة.

وعند أحمد وأكثر أصحابه: لاتصلي قبل العيد، ولو صليت في المسجد ودخل إليه بعد زوال وقت النهي.

وسئل أحمد - في رواية أحمد بن القاسم -: لو كان على رجل صلاة في ذلك الوقت: هل يصلي؟ قالَ: أخاف أن يقتدي به بعض من يراه.
قيل لهُ: فإن يكن ممن يقتدى به؟ قال: لا أكرهه، وسهل فيه.