فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: يقوم عن يمين الإمام، بحذائه سواء إذا كانا اثنين

بَاب
يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإمَامِ بحذائهِ سواءً إذا كَاناَ اثْنَيْنِ
مراده بهذا التبويب: أَنَّهُ إذا اجتمع فِي الصلاة إمام ومأموم فإن المأموم يقوم عَن يمين الإمام بحذائه سواء - أي: مساوياً لَهُ فِي الموقف، من غير تقدم ولا تأخر.

[ قــ :676 ... غــ :697 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن حرب: ثنا شعبة، عَن الحكم، قَالَ ك سَمِعْت سَعِيد ابن جبير، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: بت فِي بيت خالتي ميمونة، فصلى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء، ثُمَّ جَاءَ فصلى أربع ركعات، ثُمَّ نام، ثُمَّ قام، فجئت فقمت عَن يساره، فجعلني عَن يمينه، فصلى خمس ركعات، ثُمَّ صلى ركعتين، ثُمَّ نام حَتَّى سَمِعْت غطيطه – أو قَالَ: خطيطه – ثُمَّ خرج إلى الصلاة.

( ( الغطيط) ) : صوت تردد النفس، ومنه: غطيط البكر.
و ( ( الخطيط) ) : نحوه: والغين والخاء متقاربا المخرج.

والمقصود من هَذَا الحَدِيْث فِي هَذَا الباب: أن الإمام إذا لَمْ يأتم بِهِ غير واحد، فإنه يقيمه عَن يمينه بحذائه، ولو كَانَ صبياً لَمْ يبلغ الحلم.

وهذا كالإجماع من أهل العلم.

وقد حكاه الترمذي فِي ( ( جامعه) ) عَن أهل العلم من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمن بعدهم، قالوا: إذا كَانَ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلُ يقوم عَن يمين الإمام.

وحكاه ابن المنذر عَن أكثر أهل العلم، وسمى منهم: عُمَر بن الخَطَّاب وابن عُمَر وجابر بن زيد وعروة ومالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي.
قَالَ: وبه نقول.

قُلتُ: وَهُوَ – أَيْضاً – قَوْلِ الشَّعْبِيّ وأحمد وأسحاق.

قَالَ ابن المنذر: وفيه قولان آخران:
أحدهما عَن سَعِيد بن المُسَيِّب، أَنَّهُ قَالَ: يقيمه عَن يساره.

قُلتُ: وروي – أَيْضاً – عَن النخعي، أَنَّهُ يقوم من خلفه مَا بينه وبين أن يركع، فإن جَاءَ أحد وإلا قام عَن يمينه.
انتهى.

وروى أبو نعيم: ثنا سُفْيَان، عَن الْحَسَن بن عُبَيْدِ الله، عَن إِبْرَاهِيْم، قَالَ: كُنْتُ أقوم خلف علقمة حَتَّى ينزل المؤذن قائماً، كَانَ يقوم خلفه إذا علم أَنَّهُ يلحق غيره قريباً.

وروى وكيع فِي ( ( كتابه) ) عَن الْحَسَن، قَالَ: إذا صلى الرَّجُلُ ومعه رَجُل واحد ونساء؛ أقام الرَّجُلُ خلفه وأقام النِّسَاء خلف الرَّجُلُ.

وقد روي فِي حَدِيْث ابن عَبَّاس، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقامه عَن يساره، وروي أَنَّهُ قام خلفه، وكلاهما لا يصح.

أما الأول: فمن رِوَايَة كثير بن زيد، عَن يزيد بن أَبِي زياد، عَن كريب، عَن ابن عَبَّاس – فذكر الحَدِيْث، وفيه: قَالَ: فقمت عَن يمينه، فأخذني فجعلني عَن يساره.

قَالَ مُسْلِم فِي كِتَاب ( ( التمييز) ) : هَذَا غلط غير محفوظ؛ لتتابع الأخبار الصحاح برواية الثقات عَلَى خلاف ذَلِكَ، أن ابن عَبَّاس إنما قام عَلَى يسار النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحوله حَتَّى أقامه عَن يمينه.

ثُمَّ خرجه من طرق متعددة، عَن كريب، عَن ابن عَبَّاس كذلك.
ومن طريق سَعِيد بن جبير وعطاء وأبي نضرة والشعبي وطاوس وعكرمة، كلهم عَن ابن عَبَّاس كذلك.

وأما الثاني: فخرجه أبو نعيم فِي ( ( الحلية) ) من رِوَايَة أَبِي يزيد الخراز: ثنا النضر بن شميل: ثنا يونس، عَن أَبِي إِسْحَاق: حَدَّثَنِي عَبْد المؤمن الأنصاري، قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاس، كُنْتُ عِنْدَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام إلى سقاء فتوضأ وشرب قائماً، فقمت فتوضأت وشربت قائماً، ثُمَّ صففت خلفه، فأشار إلي لأوازي بِهِ أقوم عَن يمينه، فأبيت، فلما قضى صلاته قَالَ: ( ( مَا منعك [أن لا تكون] وازيت بي؟) ) قُلتُ: يَا رَسُول الله، أنت أجل فِي عيني وأعز من أن أوازي بك.
فَقَالَ: ( ( اللهم، آته الحكمة) ) .

إسنادمجهول؛ فلا تعارض بِهِ الروايات الصحيحة الثابتة.

وقد روي من وجه أصح ممن هَذَا، أَنَّهُ وقف خلفه فقدمه إلى يمينه.

خرجه أبو نعيم فِي ( ( كِتَاب الصلاة) ) : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن شريك: ثنا عَكْرِمَة بن خَالِد، قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاس: بت عِنْدَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بيت ميمونة – وهي خالته -، فلما قام النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الليل يصلي قمت خلفه، فأهوى بيده فأخذ برأسي، فأقامني عَن يمينه إلى جنبه.

مُحَمَّد بن شريك هَذَا، مكي، وثقه الإمام أحمد.

وقد دل حَدِيْث ابن عَبَّاس هَذَا عَلَى انعقاد الجماعة بالصبي فِي النفل، وهذا متنف عَلِيهِ، فأما فِي الفرض ففيه روايتان عَن أحمد، والأكثرون عَلَى انعقاده بالصبي – أَيْضاً -، وَهُوَ قَوْلِ أبي حنيفة والشافعي؛ لأن الصبي يصح نفله، والجماعة تنعقد بالمتنفل، وإن كَانَ الإمام مفترضأ؛ بدليل قَوْلِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( من يتصدق عَلَى هَذَا فيصلي مَعَهُ؟) ) .