فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم، ثم جاء قوم فأمهم

بَاب
إذا لَمْ ينوِ الإمامُ أنْ يؤمٌ، ثُمَّ جَاءَ قوْمٌ فَأَمَّهُمْ
[ قــ :678 ... غــ :699 ]
- حَدَّثَنَا مسدد، قَالَ: ثنا إسماعيل بن إِبْرَاهِيْم، عَن أيوب، عَن عَبْد الله ابن سَعِيد بن جبير، عَن أَبِيه، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: بت عِنْدَ خالتي ميمونة، فقام النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي من الليل، فقمت أصلي مَعَهُ، فقمت عَن يساره، فأخذ برأسي وأقامني عَن يمينه.

استدل البخاري بهذا عَلَى أن من أحرم بالصلاة منفرداً، ثُمَّ حضر فِي أثناء الصلاة من ائتم بِهِ، فإنه ينوي الإمامة، وتصح صلاته وصلاة من ائتم بِهِ عَلَى هذه الحال.

فتضمن ذَلِكَ مسألتين مختلفاً فيهما:
إحداهما:
أن من لَمْ ينو الإمامة فِي ابتداء صلاته: هَلْ يصح أن يأتم بِهِ غيره، أم لا؟ وفي المسألة أقوال:
أحدها: يجوز ذَلِكَ، فلا يشترط أن ينوي الإمام الإمامة، بل لَوْ نوى المأموم الاقتداء بمنفرد جاز، هَذَا قَوْلِ مَالِك والشافعي والثوري – فِي رِوَايَة – وزفر، وحكي رِوَايَة عَن أحمد.

والقول الثاني: لا يجوز بحال، وَهُوَ ظاهر مذهب أحمد، وقول الثوري – فِي رِوَايَة إِسْحَاق.

واستدل لهم بأن الجماعة قربة وعبادة، فلا تنعقد إلا بإمام ومأموم، وفضلها مشترك بَيْنَهُمَا، فلا يحصل لهما ذَلِكَ بدون النية، عملاً بظاهر قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لأمرىء مَا نوى) ) .

وأجاب بعض أصحابنا عَن حَدِيْث ابن عَبَّاس، بأن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمام الخلق عَلَى كل حال، فلا يحتاج إلى نيةة الإمامة، فلا يلحق بِهِ غيره.

والقول الثالث: يصح ذَلِكَ فِي الفرض دون النفل، وَهُوَ رِوَايَة منصوصة عَن أحمد، استدلالاً بحديث ابن عَبَّاس هَذَا.

والقول الرابع: إن أم رَجُل رجلاً لَمْ يحتج أن ينوي الإمامة، وإن أم امرأة احتاج إلى نية الإمامة، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي حنيفة وصاحبيه.

المسألة الثانية:
إذا أحرم منفرداً، ثُمَّ نوى الإمامة، وفي – أَيْضاً – أقوال:
أحدها: أَنَّهُ لا يجوز ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلِ أكثر أصحابنا، وبناء عَلَى أصلهم فِي أن الإمام يشترط أن ينوي الإمامة عَلَى مَا سبق، فيصير ذَلِكَ من ابتداء صلاته.
يجوز ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي حنيفة ومالك والشافعي، بناء عَلَى أصولهم فِي أن نية الإمام للأمامة ليس شرطاً، عَلَى مَا سبق.

ووافقهم بعض أصحابنا لمعنى آخر، وَهُوَ: أن طرفي الصلاة يجوز أن يكون فِي أولها إماماً وفي الآخر منفرداً، وَهُوَ المسبوق إذا استخلفه الإمام، فكذا بالعكس.

والثالث: أَنَّهُ يجوز فِي الفرض دون النفل، وَهُوَ المنصوص عَن أحمد؛ لحديث ابن عَبَّاس هَذَا.

والظاهر: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نوى إمامته حينئذ؛ لأنه أداره إلى يمينه، وأوقفه موقف المأموم.

وفي معناه: حَدِيْث: صلاة المنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل فِي رمضان فِي حجرته، واقتداء النَّاس بِهِ فِي المسجد، وسيذكره البخاري فيما بعد.