فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: إلى أين يرفع يديه؟

بَابُ
إلَى أيْنَ يرفَعُ يَدَيْه؟
قالَ أبو حميد - في أصحابه -: رفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حذو منكبيه.

حديث أبي حميد هذا، قد خرجه البخاري فيما بعد من رواية محمد بن عمرو بن عطاء، أنه كانَ جالسا في نفر من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرنا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه _ وذكر بقية الحديث، ولم يذكر فيهِ رفع اليدين في غير هذا الموضع.

وخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه آخر، عن محمد ابن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، قالَ: سمعته في عشرة من الصحابة، منهم: أبو قتادة، ويقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قالوا: فاعرض قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قالَ: ( ( الله أكبر) ) ، وركع، ثم قالَ: ( ( سمع الله لمن حمده) ) ، ورفع يديه.
وعند أبي داود: ثم يرفع رأسه، فيقول: ( ( سمع الله لمن حمده) ) ، ثم يرفع يديه حتى تحاذي منكبيه معتدلا.

وفي حديثه - أيضا -: رفع اليدين إذا قام من الركعتين.

وفي رواية للترمذي: قالوا: صدقت؛ هكذا كانَ يصلي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ورواه _ أيضا _: عباس بن سهل بن سعد، قالَ: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالَ أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فكبر.

ورفع يديه، ثم رفع حين كبر للركوع، ثم قام فرفع يديه فاستوى حتى رجع كل عظم إلى موضعه.

خرجه أبن ماجه.

وخرجه أبو داود مختصرا.

وخرجه من وجه آخر، عن عباس مختصرا - أيضا -، وذكر أنه كانَ في المجلس: سهل بن سعد وأبو هريرة وأبو حميد وأبو أسيد.

وقد صحح الترمذي هذا الحديث.

وذكر الخلال، عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي، قالَ: سئل أحمد بن حنبل عن حديث أبي حميد الساعدي، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رفع الأيدي؟ فقالَ: صحيح.
قالَ البخاري:
[ قــ :717 ... غــ :738 ]
- حدثنا أبو اليمان: أنا شعيب، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قالَ: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل [مثل ذَلِكَ] ، وإذا قالَ:
( ( سمع الله لمن حمده) ) فعل مثله، وقال: ( ( ربنا ولك الحمد) ) ولا يفعل ذَلِكَ حين يسجد، ولا حين يرفع من السجود.

ومراد البخاري: أن حديث ابن عمر فيهِ رفع اليدين إلى المنكبين، وكذلك حديث أبي حميد ومن معه من الصحابة.

وكذلك روي من حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرج حديثهما أبو داود.

وخرج مسلم من حديث مالك بن الحويرث، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع يديه إلى فروع أذنيه.

وقد روى عنه - أيضا -: ( ( إلى حذو منكبيه) ) .

خرجه الدارقطني.

واختلفت ألفاظ الروايات في حديث وائل بن حجر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فروي عنه الرفع إلى حيال أذنيه.
وروي عنه: الرفع إلى المنكبين.
وروي عنه: أنه جاء بعد ذَلِكَ في الشتاء، فرآهم يرفعون أيديهم في الأكسية والبرانس إلى صدورهم.

وقد خرجه أبو داود وغيره بهذه الألفاظ.

وقد اختلف العلماء في الترجيح:
فمنهم: من رجح رواية من روى: الرفع إلى المنكبين؛ لصحة الروايات بذلك، واختلاف ألفاظ روايات الرفع إلى الأذنين.

وهذه طريقة البخاري، وهي _ أيضا _ ظاهر مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، عملا بحديث ابن عمر، فإنه أصح أحاديث الباب، وهو _ أيضا _ قول:
أكثر السلف، وروي عن عمر بن الخطاب.

قالَ ابن عبد البر: عليهِ جمهور التابعين، وفقهاء الأمصار، وأهل الحديث.

ومنهم: من أخذ بحديث مالك بن الحويرث في الرفع إلى فروع الأذنين، وهو قول أهل الكوفة، منهم: النخعي وأبو حنيفة والثوري، وقول أحمد - في رواية عنه -، رجحها أبو بكر الخلال.

ومنهم: من قالَ: هما سواء لصحة الأحاديث بهما، وهو رواية أخرى عن
أحمد، اختارها الخرقي وأبو حفص العكبري وغيرهما.

وقال ابن المنذر: هوَ قول بعض أهل الحديث، وهو حسن.

وروى مالك في ( ( الموطأ) ) عن نافع، عن ابن عمر، أنه كانَ إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع من الركوع رفعهما دون ذَلِكَ.
وخرجه أبوداود، وذكر أنه انفرد به مالك.

قالَ: وذكر الليث: قالَ ابن جريج: قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قالَ: لا سواء.
قلت: أشر لي.
فأشار إلى الثديين أو أسفل من ذَلِكَ.

وقال حرب الكرماني: ربما رأيت أحمد يرفع يديه إلى فروع أذنيه، وربما رفعهما إلى منكبيه، وربما رفعهما إلى صدره، ورأيت الأمر عنده واسعا.

وقال طائفة من الشافعية: جمع الشافعي بين الروايات في هذا، بأنه يرفعهما حتى تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه.

قالوا: ومن حكى للشافعي ثلاثة أقوال في ذَلِكَ فقد وهم.

واختلفوا في المرأة: كيف ترفع يديها في الصلاة؟
فقالت طائفة: ترفع كما يرفع الرجل إلى المنكبين.

روي عن أم الدرداء، أنها كانت تفعله، وهو قول الأوزاعي والشافعي.

وقالت طائفة: ترفع إلى ثدييها، ولا تزيد على ذَلِكَ، وهو قول حماد وإسحاق.

وروي نحوه عن حفصة بنت سيرين، أنها كانت تفعله.

وقال أحمد - في رواية عنه - ترفع يديها في الصلاة، ولا ترفع كما يرفع الرجل، دون ذَلِكَ.

ونقل عنه جماعة، أنه قالَ: ما سمعنا في المرأة، فإن فعلت فلا بأس.

قالَ القاضي أبو يعلى: ظاهر هذا: أنه رآه فعلا جائزا، ولم يره مسنونا.

وقال عطاء: ترفع دون رفع الرجل، وإن تركته فلا بأس.