فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به

باب
رفع الايدي في الصلاة لأمر ينزل به
[ قــ :1174 ... غــ :1218 ]
- حدثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: بلغ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن بني عمرو بن عوف بقباء، كان بينهم شيء، فخرج يصلح بينهم في أناس من أصحابه.

فذكر الحديث بطوله، وفيه:
أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشار إلى أبي بكر يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله، ثم رجع القهقرى وراءه، حتى قام في الصف، وتقدم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي للناس، فلما فرغ أقبل علي الناس، فقال: ( ( ياأيها الناس، مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيح؟ إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله) ) ، ثُمَّ التفت إلى أبي بكر، فقالَ: ( ( يا أبا بكر، ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟) ) ، فقال أبو بكر الصديق: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

في الحديث: دليل على جواز رفع الأيدي في الصلاة لمن تجددت له نعمة، فيحمد الله عليها رافعاً يديه؛ فإن هذا فعله أبو بكر بحضرة النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينكره، مع أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنكر على الناس التصفيح، وأمرهم بإبداله بالتسبيح، وسأل أبا بكر: ( ( ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك؟) ) ولم ينكر عليهِ ما فعله.

وفي رواية، خرجها الإمام أحمد في هذا الحديث، أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ لأبي بكر: ( ( لم رفعت يديك؟) ) قالَ: رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك – وذكر الحديث.

وقد سبق الكلام على أن من تجددت لهُ نعمة في الصَّلاة: هل يحمد الله عليها؟ وأن عبيد الله العنبري استحسنه، وغيره جوزه، وخلاف من خالف في ذلك؛ فإن البخاري بوب على ذلك فيما سبق.

ومراد بهذا الباب: زيادة استحباب رفع الأيدي عند الثناء على الله في الصلاة.

ويعضده: ما خرجه مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث عبد الرحمن بن سمرة، قال: كنت بأسهم لي بالمدينة في حياة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ كسفت الشمس فنبذتها، فقلت: والله، لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كسوف الشمس.
قال: فأتيته وهو قائم في الصلاة، رافعاً يديه، فجعل يسبح ويهلل ويكبر، ويدعو حتى حسر عنها، فلما حسر عنها قرأ سورتين، وصلى ركعتين.

ويستدل بهذا القول من قال: إنه يرفع يديه في القنوت في الصلاة، وهو قول النخعي والثوري وأحمد وإسحاق ومالك والأوزاعي – في رواية عنهما.

وهو الصحيح عند أكثر أصحاب الشافعي.

ومنهم من قال: يرفعهما أولا لتكبير القنوت، ثم يرسلهما، وهو قول أبي حنيفة والليث بن سعد والحسن بن حي.

وقالت طائفة: لايرفعهما أصلاً.

وروي رفع اليدين في القنوت عن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة.

وخرج الإمام أحمد من حديث أنس، في حديث القراء السبعين الذين قتلهم حي من بني سليم، قال: فما رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجد على شيء قط وجده عليهم، فلقد رأيته كلما صلى الغداة رفع يديه فدعا عليهم.

وإنما كان يدعو عليهم في قنوت الفجر بعد الركوع، كما سبق ذلك صريحاً عن أنس.
والله أعلم.