فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب اعتكاف المستحاضة

باب
اعتكاف المستحاضة
خرج فيهِ حديث عكرمة، عَن عائشة مِن ثلاثة طرق:
أحدها:
قال:
[ قــ :305 ... غــ :309 ]
- نا إسحاق بنِ شاهين: نا خالد بنِ عبد الله، عَن خالد، عَن عكرمة، عَن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم وربما وضعت الطست تحتها مِن الدم.
وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر، فقالت؟: كأن هَذا شيء كانت فلانة تجده.

خالد بنِ عبد الله، هوَ: الطحان الواسطي.
وشيخه: خالد، هوَ: الحذاء.


والثاني:قالَ:
[ قــ :306 ... غــ :310 ]
- ثنا قتيبة: نا يزيد بنِ زريع، عَن خالد - يعني: الحذّاء -، عَن عكرمة، عَن عائشة، قالت: اعتكف معَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة مِن أزواجه، فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها، وهي تصلي.


والثالث:قالَ:
[ قــ :307 ... غــ :311 ]
- نا مسدد: نا معتمر، عَن خالد، عَن عكرمة، عَن عائشة، أن بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة.
وهذه الروية ليسَ فيها تصريح برفعه، فإنه ليسَ فيها أن ذَلِكَ كانَ في زمن النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا أنَّهُ كانَ معها.

وفي إسناده اختلاف أيضاً؛ فإن عبد الوهاب الثقفي [رواه] ، عَن خالد، عَن عكرمة، أن عائشة قالت.

[وهذه] الرواية تشعر بأنَّهُ لَم يسمعه منها.

وروي عَن معتمر، عَن خالد، عَن عكرمة عَن ابن عباس، وهو وهم -: قاله الدارقطني.

وهذا الحديث: يدل على أن المستحاضة مِن أهل العبادات كالطاهرة، فكما أنها تصلي فإنها تصوم، وتعتكف، وتجلس في المسجد، وتقرأ القرآن، وتمس المصحف، وتطوف بالبيت؛ فإن اعتكاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غالبه كانَ في شهر رمضان، فلو كانت المستحاضة كالحائض لا تصوم لَم تعتكف، لا سيما على رأي مِن يقول: إن الاعتكاف لا يصح بغير صوم، وقد حكى إسحاق بن راهويه إجماع المسلمين على ذَلِكَ.

وروى عبد الرزاق، عَن ابن جريج، عَن الثوري، عَن جابر، عَن أبي جعفر، قالَ: جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: إني استحضت في غير قرئي؟ قالَ: ( ( فاحتشي كرسفاً، وصومي، وصلي، واقضي ما عليك) ) .
وهذا مرسل.

وفيه خلاف شاذ:
روى عبد الرزاق، عَن الثوري، عَن منصور، عَن إبراهيم، قالَ: المستحاضة لا تصوم، ولا يأتيها زوجها، ولا تمس المصحف.

وعن معمر، عَن أيوب، قالَ: سئل سليمان بنِ يسار: أيصيب المستحاضة
زوجها؟ قالَ: إنما سمعنا بالرخصة لها في الصلاة.

ونقل صالح بنِ أحمد، عَن أبيه في المستحاضة: لا تطوف بالبيت، إلا أن تطول بها الاستحاضة.

قالَ أبو حفص العكبري: لعلها غلط مِن الراوي، فإن الصحيح عَن أحمد أن المستحاضة بمنزلة الطاهرة تطوف بالبيت.

قالَ في رواية الميموني: المستحاضة أحكامها أحكام الطاهرة في عدتها وصلاتها وحجها وجميع أمرها.

ونقل عَنهُ ابن منصور: تطوف بالبيت.

وأما ما وقع في رواية صالح: أنها لا تطوف إلا أن يطول بها.
فلعله اشتبه على الراوي الطواف بالوطء؛ فإن ابن منصور نقل عَن أحمد ذَلِكَ في الوطء، وصالح وابن منصور متفقان في نقل المسائل عَن أحمد في الغالب.

ولكن قَد روي عَن ابن عمر ما يشعر بمنع المستحاضة مِن الطواف، فروى عبد الرزاق، عَن معمر، عَن واصل مولى ابن عيينة.
عَن رجل سأل ابن عمر عَن امرأة تطاول بها الدم، فأرادت تنفر، وأرادت تشرب دواء ليقطع عنها الدم؟ قالَ: لا بأس
بهِ.
ونعت ابن عمر لها ماء الأراك.

وقال ابن جريج، عَن عطاء: أنَّهُ لَم ير بهِ بأساً.

قالَ معمر: وسمعت [ابن] أبي نجيح يسأل عَن ذَلِكَ، فلم ير بهِ بأساً.

فظاهر هَذا: أن المستحاضة معَ تطاول الدم بها لا تطوف حتى ينقطع عنها الدم، معَ أنَّهُ يُمكن حمله على تطاول دم الحيض ومجاوزته للعادة، أو على أن الأولى للمستحاضة أن لا تطوف حتى ينقطع دمها.
وجمهور العلماء على جواز ذَلِكَ.

وقد خرجه عبد الرزاق في موضع آخر مِن ( ( كتابه) ) ، وقال فيهِ: إن ابن عمر سئل عَن امرأة تطاول بها دم الحيضة.
وممن رخص للمستحاضة في الطواف بالبيت: ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وسعيد بنِ المسيب، وعطاء، وسعيد بنِ جبير وغيرهم.

قالَ سعيد بنِ المسيب: تقضي المناسك كلها.

وَهوَ قول الثوري، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وجمهور العلماء.

وفي حديث عائشة في اعتكاف المستحاضة: ما يدل على أن دم الاستحاضة يتميز عَن دم الحيض بلونه وصفرته، وقد يتعلق بذلك مِن يقول باعتبار التمييز، كَما تقدم.