فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب أصحاب الحراب في المسجد

باب
أصحاب الحراب في المسجد
[ قــ :445 ... غــ :454 ]
- حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: اخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوما في باب حجرتي، والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسترني بردائه، انظر إلى لعبهم.



[ قــ :445 ... غــ :455 ]
- زاد إبراهيم بن المنذر: ثنا ابن وهب: اخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحبشة يلعبون بحرابهم.

وخرجه في كتاب: المناقب من طريق عقيل، عن ابن شهاب، ولفظه: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسترني وان أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((دعهم؛ أمنا بني أرفدة)) يعني: من الأمن.

وإنما ذكر هنا رواية إبراهيم بن المنذر تعليقا؟ لزيادة في الحديث: ذكر الحراب.
وقد خرجه الإمام أحمد، عن عثمان بن عمر، عن يونس بهذا الإسناد، وقال فيه: ((يلعبون بحرابهم)) ولم يذكر: ((في المسجد)) .

وخرجه مسلم في ((صحيحه)) عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، قال فيه:
((والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) .

وقد خرجه البخاري في ((عشرة النِّسَاء)) من رواية معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: ((كان الحبشة يلعبون بحرابهم، فيسترني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو)) .

كذا خرجه من رواية هشام بن يوسف، عن معمر.

وقد روي عن عبد الرزاق، عن معمر، وفيه ذكر الحراب في المسجد.

وعند الزهري في هذا الحديث إسناد أخر: رواه عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، خرجه البخاري في ((كتاب: السير)) ومسلم - أيضا - من رواية معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: بينا الحبشة يلعبون عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحرابهم دخل عمر، فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها، فقال: ((دعهم يا عمر)) .

قال البخاري: وزاد علي: ثنا عبد الرزاق: أبنا معمر: ((في المسجد)) .

فجمع عبد الرزاق في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه - أيضا - بين ذكر الحراب والمسجد.

وخرج - أيضا - في العيدين وفي ((السير)) من رواية أبي الأسود، عن عروة عن عائشة، قالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سالت
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإما قال: تشتهين أن تنظري؟)) قلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: ((دونكم، بني أرفدة)) ، حتى إذا مللت قال: ((حسبك؟)) قلت نعم.
قال: ((فاذهبي)) .

وخرجه مسلم - أيضا.

وفي هذه الرواية زيادة: ((الدرق)) ، وفيها زيادة: أن ذلك كان يوم عيد وليس فيه ذكر المسجد.

وخرج مسلم من حديث جرير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: جاء حبش يزفون في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوضعت راسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم.

وخرجه من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ومحمد بن بشر، عن هشام ولم يذكرا: ((في المسجد)) .
وخرج مسلم - أيضا - من طريق ابن جريج: أخبرني عطاء: أخبرني عبيد
بن عمير، قال: أخبرتني عائشة، أنها قالت للعابين: وددت أني أراهم، فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقمت على الباب أنظر بين أذنيه وعاتقيه، وهم يلعبون في المسجد.
قال عطاء: فرس او حبش.
قال: وقال لي ابن عتيق: بل حبش.

وقد رَوَى أن ذَلِكَ العيد كَانَ يوم عاشوراء؛ فإنه كَانَ عيداً لأهل الجَاهِلِيَّة ولأهل الكتاب.

فروى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجه بن زيد، عن أبيه، أن يوم عاشوراء كان يوما تستر فيه الكعبة، وتقلس فيه الحبشة عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر الحديث.

خرجه الطبراني.

والتقلس: اللعب بالسيوف ونحوها من آلات الحرب.

لكن خرج الإمام أحمد، عن وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت الحبشة يلعبون يوم عيد، فدعاني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكنت أطلع بين عاتقه فأنظر إليه، فجاء أبو بكر، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((دعها؛ فان لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا)) .

وهذا يدل على أنه كان أحد عيدي المسلمين.

وخرج - أيضا - من حديث أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يومئذ: ((ليعلم يهود أن في ديننا فسحة، أني أرسلت بحنيفية سمحة)) .

والمقصود من هذا الحديث: جواز اللعب بآلات الحرب في المساجد؛ فان ذلك من باب التمرين على الجهاد، فيكون من العبادات.

ويؤخذ من هذا: جواز تعلم الرمي ونحوه في المساجد، ما لم يخشى الأذى بذلك لمن في المسجد، كما تقدم في الأمر بالإمساك على نصال السهم في المسجد لئلا تصيب مسلما، ولهذا لم تجر عادة المسلمين بالرمي في المساجد.

وقد قال الأوزاعي: كان عمر بن عبد العزيز يكره النصال بالعشي، فقيل له: لم؟ قال: لعمارة المساجد.

ولكن أن كان مسجد مهجور ليس فيه أحد، أو كان المسجد مغلقا ليس فيه إلا من يتعلم الرمي فلا يمنع جوازه حينئذ.
والله أعلم.

وحكى القاضي عياض، عن بعض شيوخه، أنه قال: إنما يمنع في المساجد من عمل الصنائع التي يختص بنفعها آحاد الناس وتكتسب به، فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة، وإصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس به.
والله أعلم.