فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب السجود على الأنف

باب
السجود على الأنف
[ قــ :791 ... غــ :812 ]
- حدثنا معلى بن أسد: ثنا وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة) ) – وأشار بيده على أنفه – ( ( واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر) ) .

معنى ( ( نكفت) ) –أي: نضم ونجمع، ومنه قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ إلاَرْضَ كِفَاتاً - أَحْيَاءً وأَمْوَاتاً} [المرسلات:25، 26] أي: نكفتهم ونضمهم ونجمعهم وهم أحياء على ظهرها، وإذا ماتوا ففي بطنها.

وفي هذه الرواية: أنه لما ذكر الجبهة أشار بيده إلى أنفه، وقد خرّجه مسلم من حديث وهيب، وخرّجه – أيضاً - من طريق ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( أمرت أن أسجد على سبع، ولا أكفت الشعر ولا الثياب: الجبهة وإلانف واليدين، والركبتين، والقدمين) ) .
واستدل بهذا من يقول: أنه يجب السجود على الأنف مع الجبهة، وهو قول مالك وأحمد –في رواية عنهما – وإسحاق، وأختار هذه الرواية عن أحمد أبو بكر عبد العزيز وغيره من أصحابنا –وأبي خيثمة وأبي بكر بن أبي شيبة.

وحكي قولاً للشافعي، رجحه بعض المتأخرين من أصحابه، إلا أنه خصه بحال الذكر.

وروي معناه عن طاوس والنخعي وسعيد بن جبير.

وروي عن ابن عمر، قال: السجود على الأنف تحقيق السجود.

وسئل طاوس: الأنف من الجبين؟ قال: هو خيره.

وروى عاصم، عن عكرمة، قال: رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يصلي لا يمس أنفه الأرض، قال: ( ( لا تقبل صلاة لا يمس فيها الأنف ما يمس الجبين) ) .

وخرّجه الدارقطني والحاكم –موصولاً -، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وصحح الحاكم وصله، وصحح إلاكثرون إرساله، منهم: أبو داود في ( ( مراسيله) ) والترمذي في ( ( علله) ) والدارقطني وغيرهم.

وإلى ذلك يميل الإمام أحمد، وهو مرسل حسن.

ولو اقتصر على السجود على أنفه دون جبهته، لم يجزئه عند أحد من العلماء ممن أوجب السجود على الأنف، غير أبي حنيفة، وهي رواية عن الثوري، رواها عنه
حسان بن إبراهيم.
وقال كثير من العلماء: السجود على الأنف مستحب غير واجب، وروي عن الحسن والشعبي والقاسم وسالم، وهو قول الشافعي وسفيان وأحمد –في الرواية الثانية عنهما.

وحمل من قال بذلك حديث ابن عباس على الاستحباب دون الوجوب، قالوا: لأنه عد الأعضاء المأمور بالسجود عليها سبعاً، ولو كان الأنف معها لكانت ثمانياً.

وهذا مردود، فان الأنف من الجبهة، كما قال طاوس: هو خيرها.

وروي عنه، أنه كان يعد الأنف والجبهة واحداً.

فان قيل: فالجبهة لا يجب السجود على جميعها بإلاجماع، ولو وجب السجود على الأنف لوجب استيعابها بالسجود عليها.

قيل: هذا الإجماع غير صحيح، وقد سبق قول من قال بوجوب استيعابها بالسجود عليها.

ولكن؛ قد قيل: إن ذكر الأنف منها إنما هوَ من كلام طاوس -: قاله البيهقي وغيره.
وفي ( ( سنن ابن ماجه) ) من رواية ابن عيينة، عن ابن طاوس هذا الحديث، وفيه: قال ابن طاوس: وكان أبي يقول: الركبتين واليدين والقدمين، وكان يعد الجبهة وإلانف واحداً.

كذا خرّجه عن هشام بن عمار، عن سفيان.

وخرّجه النسائي من طريق سفيان –أيضاً -، وعنده: قال سفيان: قال لنا ابن طاوس: وضع يديه على جبهته، وأمرها على أنفه، وقال: هذا واحد.

ورواه – أيضاً – الشافعي وابن المديني، عن ابن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه –بمعناه.

خرّجه البيهقي.

وقال: في حديث سفيان ما دل على أن ذكر الأنف في الحديث من تفسير
طاوس.

وخرّجه - أيضاً - من طريق إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسجد منه على سبع، قال ابن ميسرة: فقلت لطاوس: أرابت الأنف؟ قالَ: هوَ خيره.

وأيضاً؛ فقد قال: ( ( سبعة أعظم) ) ، وطرف الأنف المسجود عليه ليس عظماً، فعلم أنه تابع لعظم الجبهة، وليس عضواً مستقلاً.

فلو تعذر السجود على الجبهة لعذر، وقدر على السجود على أنفه، فهل يلزمه عند من لا يوجب السجود عليه؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، وينتقل الفرض إليه، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي.
لا ينتقل الفرض إليه، بل يومي بجبهته، ولا يلزمه السجود على أنفه، وهو قول مالك وأصحابنا، كما لا ينتقل فرض غسل اليدين والرجلين في الوضوء إلى موضع الحلية، إذا قدر على غسله، وعجز عن غسل اليدين والرجلين.

***