فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب السهو في الفرض والتطوع

باب
[السهو] في الفرض والتطوع

وسجد ابن عباس سجدتين بعد وتره.

قد تقدم أن الإمام أحمد حكى عن ابن عباس، أنه قال: إن استطعت أن لا تصلي صلاة إلا سجدت بعدها سجدتين فافعل.

وحمله أحمد على سجود السهو.

ومن الناس من حمله على [أنه] أراد به تصلي بعد كل مفروضة ركعتين.

وهذا على عمومه لا يصح؛ فإن الفجر والعصر لايصلى بعدهما.

وقد بوب النسائي على ( ( السجود بعد الفراغ من الصَّلاة) ) ، وخرج فيهِ: حديث عائشة: كانَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يوتر بواحدة، ويسجد سجدة قدر ما يقرا أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه.

وقد تقدم هذا الحديث بلفظ: ( ( ويسجد السجدة) ) .

والمراد: أنه مقدار السجدة الواحدة من سجوده بالليل، لا أنه يسجد بعد وتره سجدة واحدة.

وأما حكم السهو في الوتر، فحكمه حكم السهو في سائر الصلوات.

ومذهب الثوري وأبي حنيفة، إذا صلى الوتر أربعاً، أنه إن قعد في الثالثة قدر التشهد أجزاه، وسجد سجدتي السهو، وإن لم يكن جلس بعد الثالثة أعاد الوتر، كقولهم في صلاة المغرب، كما تقدم حكاية مذهبهم في ذلك.

ومذهب مالك في ( ( تهذيب المدونة) ) : ومن شفع وتره ساهياً سجد بعد
السلام، واجتزأ بوتره، يعمل في السنن كما يعمل في الفرائض، ومن لم يدر جلوس في الشفع أو في الوتر سلم وسجد بعد السلام، ثم أوتر بواحدة، وإن لم يدر أفي الأولى هو جالس أو في الثانية، أو في الوتر، أتى بركعة، وسجد بعد السلام، ثم أوتر.
انتهى.
ففرق بين أن يتحقق الزيادة، فيسجد للسهو، ويجتزئ بوتره، وبين أن يشك فيها، فيبني على اليقين، ويسجد للسهو، ثم يوتر.

وقد روي عن ابن عباس، أنه يسجد في التطوع:
قال حرب الكرماني: نا يحيى بن عبد الحميد: حدثنا ابن المبارك، عن يعقوب بن القعقاع، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: إذا اوهم في التطوع، سجد سجدتي
السهو.

وهذا قول جمهور العلماء.

وللشافعي قول قديم، أنه لايسجد في التطوع.

وروي عن ابن سيرين.

وعن ابن المسيب – في رواية – عنه منقطعة.

وروي عنه من وجه متصل خلافه.

وقال عطاء: لابأس أن لا يسجد للسهو في التطوع.

وعنه، أنه قال: لا يعيد التطوع إذا شك فيه، وبني على أحرى ما عنده، وسجد.

وهذا بناء على قوله: إن الشاك في الفريضة يعيد صلاته.

وسئل عطاء، عمن سها قبل الوتر: أيسجد بعد الوتر؟ قالَ: نعم.
ولعله أراد أنه سها قبل الركعتين قبل الوتر، إذا صلى الوتر ثلاثا متصلة [...........] أنه أراد أن الركعة التي يوتر بها لا يسجد فيها للسهو حتَّى يتم وتره، وإن كانت مفصولة بالسلام بينهما؛ لأن الجميع يشملها اسم واحد، وهو الوتر، فيكون السجود للسهو بعد كمالها وتمامها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال البخاري:
[ قــ :1188 ... غــ :1232 ]
- نا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( إن أحدكم إذا قام يصلي، جاء الشيطان فلبس عليه، حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس) ) .

مراده من هذا الحديث في هذا الباب: أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسجود السهو لمن صلى ولبس الشيطان عليه صلاته، ولم يفرق بين أن تكون صلاته فريضة أو نافلة، والأفعال نكرات، والنكرات في سياق الشرط تعم، كما تعم في سياق النفي.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولأن النفل ينقص بالسهو، فشرع جبره بالسجود له، كما يجبر الحج، فرضه ونفله.

وإنما يشرع للسهو في النفل بركعة تامة فأكثر، فأما صلاة الجنازة فليس فيها سجود سهو؛ لأنه لا سجود فيها بالكلية، وكذلك سجود التلاوة ليس فيهِ سجود
سهو، لأن المشروع للتلاوة سجدة واحدة، ولا يجبر بأكثر من أصله.

والله أعلم.