فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام، فحوله الإمام إلى يمينه، لم تفسد صلاتهما

بَاب
إذا قَامَ عَنْ يَسَار الإمَامِ فَحوَّلهُ الإمَامُ إلى يَمِيِنهِ
لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ
[ قــ :677 ... غــ :698 ]
- حَدَّثَنَا أحمد: ثنا ابن وهب: ثنا عَمْرِو، عَن عَبْد ربه بن سَعِيد، عَن مخرمه بن سُلَيْمَان، عَن كريب، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: نمت عِنْدَ ميمونة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندها تلك الليلة، فتوضأ، ثُمَّ قام يصلي، فقمت عَن يساره، فأخذني فجعلني عَن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثُمَّ نام حَتَّى نفخ – وكان إذا نام نفخ – حَتَّى أتاه المؤذن، فخرج فصلى ولم يتوضأ.

قَالَ عَمْرِو: فحدثت بِهِ بكيراً، فَقَالَ: حَدَّثَنِي كريب بذلك.

( ( أحمد) ) هَذَا غير منسوب، قَدْ رَوَى عَنْهُ البخاري فِي مواضع عَن عَبْد الله بن وهب، وقد اختلف فِيهِ:
فَقِيلَ: هُوَ أحمد بن عَبْد الرحمن بن وهب ابن أخي عَبْد الله بن وهب -: قاله أبو أحمد الحَاكِم وغيره.

وأنكر آخرون أن يكون البخاري رَوَى عَن ابن أخي ابن وهب فِي
( ( صحيحه) ) ؛ لما اشتهر من الطعن عَلِيهِ، لا سيما فِي آخر عمره.

وقالوا: إنه أحمد بن صالح، أو أحمد بن عيسى التستري؛ فإنهما يرويان عَن ابن وهب، وقد رَوَى البخاري عنهما فِي ( ( كتابه) ) من غير شك.

ومن قَالَ: إن أحمد هَذَا، هُوَ: ابن حَنْبل، فَقَدْ أخطأ؛ فإن الإمام أحمد لا يروي عَن ابن وهب، بل عَن أصحابه.

والأظهر: أَنَّهُ أحمد بن صالح؛ وبذلك جزم أبو عَبْد الله بن منده، قَالَ: لَمْ يخرج البخاري عَن أحمد بن عَبْد الرحمن فِي ( ( صحيحه) ) شيئاً، وكلما قَالَ فِي ( ( الصحيح) ) : ( ( حَدَّثَنَا أحمد: ثنا ابن وهب) ) فهو ابن صالح المصري، وإذا رَوَى عَن أحمد بن عيسى نسبه.
والله أعلم.

وقد استدل البخاري بهذا الحَدِيْث عَلَى أن من قام عَن يسار الإمام، فحوله إلى يمينه لَمْ تفسد صلاته – وفي بعض النسخ: صلاتهما -، أما صلاة الإمام فلا تفسد بمده لَهُ بيده وتحويله من جانب إلى جانب.

وقد خرج البخاري هَذَا الحَدِيْث فيما بعد، وفيه: أَنَّهُ أخذ برأسه من ورائه، فجعله عَلَى يمينه.

وإنما حوله النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وراء ظهره لئلا يكون ماراً فِي قبلته.

وقد خرجه مُسْلِم من حَدِيْث عَطَاء، عَن ابن عَبَّاس، وفي حديثه: قَالَ: فقمت إلى شقه الأيسر، فأخذني من وراء ظهره، فعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن.

وفي رِوَايَة لَهُ – أَيْضاً – فتناولني من خلف ظهره، فجعلني عَلَى يمينه.

وقيل فِيهِ معنى آخر، وَهُوَ: أَنَّهُ لَوْ أداره من بَيْن يديه لتقدم المأموم عَلَى إمامه فِي الموقف، وأما صلاة المأموم فلا تفسد بمشية من أحد جانبي الإمام إلى جانبه الآخر؛ لأن هَذَا عمل يسير فِي الصلاة فلا تفسد بِهِ الصلاة.

وقد اختلف النَّاس فِي حد العمل اليسير الَّذِي يعفى عَنْهُ فِي الصلاة فلا يبطلها.

فالصحيح عِنْدَ أصحابنا أَنَّهُ يرجع فِيهِ إلى عرف النَّاس من غير تقدير لَهُ بمرة أو مرتين.

ومنهم من قدره بالمرة والمرتين، وجعل الثلاث فِي حد الكثرة، وكلام أحمد مخالف لهذا مَعَ مخالفته للسنن والآثار الكثيرة.

وللشافعية فِي الخطوتين والضربتين وجهان.

ومن الحنفية من قَالَ: الكثير، مَا لَمْ يمكن إقامته إلا باليدين كالإرضاع، واليسير: مَا يمكن بإحداهما.

ومنهم من قَالَ: الكثير: مَا لَوْ رآه الناظر لا ستيقن أَنَّهُ ليس فِي صلاة.

واليسير: بخلافه.

ومنهم من قدر المشي المبطل بما جاوز محل السجود.

والرجوع فِيهِ إلى العرف أظهر؛ لأنه ليس لَهُ حد فِي الشرع.

وقد وردت السنة بالعفو عما لا يعد كثثيراً عرفاً، كتأخيره وتأخير الصفوف خلفه فِي صلاة الكسوف.
ومشيه حَتَّى فتح الباب لعائشة.
وقد تأخر أبو بَكْر بحضوته من مقام الإمام حَتَّى قام فِي صف المأمومين، ورفع يديه وحمد الله.

وأذن فِي قتل الحية والعقوب فِي الصلاة، وكل هذه الأفعال تزيد عَلَى المرتين والثلاث.

وقد سبق القول فِي حمله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمامه فِي الصلاة، وأنه كَانَ يحملها إذا قام ويضعها إذا ركع.

واستدل بحديث ابن عَبَّاس المخرج فِي هَذَا الباب الشَّافِعِيّ ومن وافقه عَلَى أن من أساء الموقف وصلى عَن يسار الإمام، فإن صلاته صحيحة مَعَ الكراهة، وألحقوا بِهِ من صلى خلف الصف وحده.

ووجه استدلالهم بِهِ: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يبطل تحريمته وأقره عَلَى البناء عَلَيْهَا.

وأما الإمام أحمد، فعنده لا تصح صلاة من وقف عَلَى يسار الإمام إذا لَمْ يكن عَن يمينه أحد.

وإنما يبطل عنده إذا استمر فِي موقفه حَتَّى ركع الإمام ورفع، فأما إن كبر عَلَى يسار الإمام، ثُمَّ تحول إلى يمينه، أو وقف عَن يمين الإمام آخر قَبْلَ الركوع، فإن الصلاة عنده صحيحة.

وكذا لَوْ جَاءَ آخر إلى خلف الإمام، فتأخر القائم عَن يساره إلى القائم خلفه، فاصطفا جميعاً قَبْلَ الركوع.

وحكى القاضي فِي ( ( شرح المذهب) ) عَن ابن حامد، أَنَّهُ حكى رِوَايَة عَن
أحمد، أَنَّهُ يصح الوقوف عَن يسار الإمام فِي النافلة خاصة، كما كبر ابن عَبَّاس عَن يسار النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النافلة.

والصحيح عَن أحمد: الأول.
فإن قيلَ: فَقَدْ صلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجابر عَن يمينه، ثُمَّ جَاءَ آخر فقام عَن يساره، فأخرهما النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه مُسْلِم فِي ( ( صحيحه) ) .

ولم يدل ذَلِكَ عَلَى أن صلاة الاثنين عَن جانبي الإمام لا تصح.

قيل: إنما صح قيام الاثنين عَن جانبي الإمام؛ لأن ابن مَسْعُود فعله، ورواه عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس فِي القيام عَن يسار الإمام نَصَّ يدل عَلَى صحة صلاة من أتم صلاته عَن يساره.
والله أعلم.

وأيضاً؛ فالوقوف عَن جانبي الإمام مشروع فِي حق العراة وحق النِّسَاء، وأما القيام عَن يساره خاصة، فليس بمشروع بحال.


* * *