فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت

باب
من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.

[ قــ :580 ... غــ :596 ]
- ثنا معاذ بن فضالة: ثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جابر، أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، فقال: يا رسول الله، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب.
قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( والله ما صليتها) ، فقمنا إلى بطحان، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها [فصلى العصر] بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.

تأخير النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العصر حتى غربت الشمس يوم الخندق لم يكن عن نوم بغير خلاف، وإنما اختلف.

وقد أشار البخاري في ( أبواب الخوف) إلى أنه كان اشتغالاً بالعدو.

ويعضده: حديث علي، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) – الحديث.

وسيأتي ذلك مبسوطاً في موضعه – إن شاء الله.

وفي حديث جابر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب.

ولم يصرح فيه بأنه صلى بهم جماعة، لكن قوله: ( فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها) مما يدل على أنه صلاها جماعة.

وقد خرجه الإسماعيلي في ( صحيحه) ، ولفظه: ( فصلى بنا العصر) – وذكر باقيه.

وهذا تصريح بالجماعة.

[و] في حديث نومهم عن صلاة الفجر، أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الفجر بأصحابه جماعة.

وأكثر العلماء على مشروعية الجماعة للفوائت.

فمن قال: إن صلاة الجماعة سنة، فهي عنده سنة للحاضرة والفائتة.

ومن قال: صلاة الجماعة فرض – كما هو ظاهر مذهب الإمام أحمد -، فاختلف أصحابنا: هل الجماعة واجبة، أو لا؟ على وجهين.

وممن قال بأن الجماعة مشروعة للفوائت: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم.

وحكي عن الليث بن سعد: أن قضاء الفائتة فرادى أفضل.

وترده هذه الأحاديث الصحيحة.

وفي الحديث: دليل على اتساع وقت المغرب؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه قاموا بعد غروب الشمس، فنزلوا إلى بطحان، فتوضئوا، ثم صلوا العصر قبل المغرب، ثم صلوا المغرب، فلو كان وقت المغرب مضيقاً لكان قد وقعت صلاة العصر في وقت المغرب، ولم يكن فرغوا منها حتى فات وقت المغرب، فتكون صلاة المغرب حينئذ مقضية بعد وقتها.

ويرجع الكلام في ذلك إلى من كان عليه صلاة فائتة، وقد ضاق وقت الصلاة الحاضرة عن فعل الصلاتين، فأكثر العلماء على أنه يبدأ بالحاضرة فيما بقي من وقتها، ثم يقضي الفائتة بعدها؛ لئلا تصير الصلاتان فائتتين، وهو قول الحسن وابن المسيب وربيعة والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة، وأحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق وطائفة من أصحاب مالك.

وهؤلاء أوجبوا الترتيب، ثم أسقطوه بخشية فوات الحاضرة.

وكذلك قال الشافعي، فإنه لا يوجب الترتيب، إنما يستحبه، فأسقط هاهنا استحبابه وجوازه، وقال: يلزمه أن يبدأ بالحاضرة، ويأثم بتركه.

وقالت طائفة: بل يبدأ بالفائتة، ولا يسقط الترتيب بذلك، وهو قول عطاء والنخعي والزهري ومالك والليث والحسن بن حي.

وهو رواية عن أحمد، اختارها الخلال وصاحبه أبو بكر.

وأنكر ثبوتها القاضي أبو يعلى، وذكر أن أحمد رجع عنها.