فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي

باب
استقبال الرجل الرجل وهو يصلي
وكره عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلي.

وهذا إذا اشتغل به، فأما إذا لم يشتغل به، فقد قال زيد بن ثابت: ما باليت؛ إن الرجل لا يقطع صلاة الرجل.

حكى البخاري عن عثمان - رضي الله عنه -، أنه كره أن يستقبل الرجل وهو يصلي، وعن زيد بن ثابت، أنه قال: لا يبالي بذلك؛ إن الرجل لا يقطع صلاة الرجل.

وجمع بينهما بان الكراهة إذا اشتغل به المصلي عن صلاته، وعدم الكراهة إذا لم يشتغل به عن صلاته.

وقد روى في هذا حديث مرفوع يشهد لما قاله:
رواه عبد الأعلى الثعلبي، عن محمد بن الحنفية، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر إلى رجل يصلي إلى رجل، فأمره أن يعيد الصلاة، فقال: يا رسول الله، إني قد أتممت؟ فقال: ( ( إنك صليت وأنت تنظر إليه مستقبله) ) .

خرجه أبو داود في ( ( المراسيل) ) .

وخرجه البزار في ( ( مسنده) ) والإسماعيلي في ( ( مسند علي) ) ، وعندهما: عن ابن الحنفية، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وعبد العلي هذا، ضعيف الحديث.

وقد علل الإعادة بالنظر إليه، وهو يشعر بأن نظره إليه ألهاه عن صلاته.

وقال البزار بعد تخريجه للحديث: إنما أمره بالإعادة؛ لاستقباله وجه الرجل من غير انحراف عنه.

وروى أبو نعيم: ثنا مسعر، قال: أراني أول من سمعته من القاسم، قال: ضرب عمر رجلين: أحدهما مستقبل الآخر وهو يصلي.

وهذا منقطع.

ونص أحمد على كراهة أن يصلي مستقبل رجل -: نقله عنه المروذي.

ونقل عنه ابنه صالح، أنه قال: هذا منهي عنه.

وعلل الأصحاب كراهة ذلك بان فيه تشبها بعبادة المخلوقين، فكره كما تكره الصلاة إلى صورة منصوبة.

وعلى هذا التعليل، فلا فرق بين أن يشتغل بالنظر إلى ذلك، أو لا يشتغل.
والله اعلم.

وكره أصحاب الشافعي الصلاة إلى آدمي، يستقبله ويراه، وعللوه بأنه يشغل المصلي ويلهيه نظره إليه.

قال البخاري - رحمه الله -:
[ قــ :498 ... غــ :511 ]
- ثنا إسماعيل بن خليل: أبنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة، ذكر عندها ما يقطع الصلاة، فقالوا: يقطعها الكلب والحمار والمرأة، فقالت: لقد جعلتمونا كلابا؛ لقد رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي، وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة، فأكره أن استقبله، فأنسل انسلالا.

وعن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة - نحوه.

وقد روى هذا الحديث أبو معاوية، عن الأعمش، بالإسناد الثاني، وقال في حديثه: فأنسل من قبل رجلى السرير، كراهة أن استقبله بوجهي.

خرجه عنه الإمام أحمد.

ورواه ابن أبي زائدة، عن الأعمش بالإسنادين، وقال فيه: وأكره أن أستقبله بوجهي فأوذيه، فأنسل من قبل رجلى السرير.

وهذا يدل عل إنها كانت تعلم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكره أن يستقبله أحد بوجهه وهو يصلي، وكان ذلك ليلا، ولم يكن في البيوت مصابيح، كما صرحت به عائشة في حديثها الآخر، فدل على أن كراهة استقبال المصلي وجه إنسان والإنسان ليس هو لمعنى الاشتغال بالنظر إليه عن الصلاة، كما يراه البخاري.
والله اعلم.

والظاهر: أن البخاري استدل بصلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عائشة على أنه لا تكره الصلاة مستقبل إنسان، وفي ذلك نظر؛ فإن عائشة لم تكن مستقبلة له، بل كانت مضطجعة، وإنما كره من كره استقبال وجه الآدمي.