فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير أيضا في المسجد


[ قــ :452 ... غــ :462 ]
- ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا الليث: حدثني سعيد بن أبي سعيد، أنه سمع أبا هريرة قال: بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ( ( أطلقوا ثمامة) ) ، فان طلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

دل هذان الحديثان: على ربط الأسير إلى سارية من سواري المسجد؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن في زمانه سجن يسجن فيه الأسارى، ولهذا لما ندم أبو لبابة على ما قال لبني قريظة ربط نفسه بسارية من سواري المسجد.

وفي بعض نسخ ( ( كتاب البخاري) ) في هذا الباب زيادة:
وكان شريح يأمر بالغريم أن يحبس إلى سارية المسجد.

وروي ذلك عن علي - أيضا -:
قال يعقوب بن شيبة: ثنا عبيد بن يعيش: ثنا صيفي بن ربعي الأنصاري، عن أبيه: حدثني مشيخة الحي، أن عليا استعمل رجلا على عمل، فأتاه، فسأله عن المال، فلم يرفع إليه ما أراد.
قال: فشده على أسطوانة من أساطين المسجد، فقال: أد مال الله.
وربط الأسير، أن كان من الكفار فربطه من مصالح الدين، وقد أمر الله تعالى به بقوله: { حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد:4] .

وإن كان من المسلمين على دين له أو حق ليخرج منه فهو من مصالح المسلمين المحتاج إليها، لحفظ أموالهم واستيفاء حقوقهم، وهو من جنس القضاء في المسجد، وأمر الخصوم بإنصاف بعضهم لبعض، والخروج من الحقوق اللازمة لبعضهم بعضا، وقد سبق أن القضاء في المسجد جائز.

وهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بربط الشيطان هو من عقوبات العصاة المتمردين المتعرضين لإفساد الدين، وليس من جنس إقامة الحدود بالضرب والقطع حتى تصان عنه المساجد، إنما هو حبس مجرد، فهو كحبس الأسارى من الكفار.

وبقية فوائد الحديثين تذكر في مواضع أخر - إن شاء الله تعالى.